دفاعا عن امرأة ضربت زوجها فجرا بالخيزرانة

TT

الخبر نشرته وكالات الأنباء و«روز اليوسف» اليومية 4 يونيو (حزيران) 2010، تحت عنوان «تضرب زوجها لأنه أيقظها لصلاة الفجر»، وهو العنوان الذي نراه خاطئا وسنتولى تفنيده بعد قليل. يقول الخبر «فوجئ طبيب بقسم الطوارئ بأحد المستشفيات بشاب لا تتوقف صرخاته شاكيا أحيانا من إصابته، وأحيانا أخرى من زوجته. المصاب أبلغ الطبيب بما حدث له قائلا: (تخيل يا دكتور، أيقظت زوجتي لصلاة الفجر فلم تستيقظ، وعدت مرة أخرى فلم تستيقظ، وأصررت، فما كان منها إلا أن أخذت عصا خيزران، وانهالت علي ضربا مبرحا وجرحتني)». وأضاف الزوج الذي يعمل في شركة طيران كبرى: «لدي أربعة أطفال وأخاف عليهم من الضياع، دائما تضربني بالحذاء، وكل ما يأتي في يدها حتى أصبحت لا تسمح لي بالجلوس مع الأسرة على طاولة الطعام».

نحن هنا بإزاء حالة مثالية لاضطراب في الشخصية، نتجت عنها رغبة حادة مستدامة في تحقيق العدوان على نفسها، من أجل الاستمتاع بكونها ضحية مظلومة ومعتدى عليها، وهو ما نسميه بالضحوية victimology، وهي تلك الحالة التي تغري الضحية الشخص المعتدي وتدفعه دفعا للاعتداء عليها، وفي أحيان كثيرة تحاصر الضحية المعتدي ولا تترك له أي فرصة للإفلات. لست محترفا في مجال التحليل النفسي، أنا مجرد شخص حتمت عليه ظروفه أن يقابل ويعاشر أحيانا هذا النوع من الأشخاص السيكوباتيين. بعضهم حاد الذكاء ويستطيع في لحظة إفقادك هدوءك وحذرك وقدرتك على التحمل محولا إياك إلى شخص معتد. في تلك اللحظة يشعر بالارتياح لانتصاره عليك في معركة من اختراعه هو، في الوقت الذي تشعر فيه أنت بالخجل والهزيمة لأنك أتيت فعلا منكرا، وهو العدوان على الآخرين، فتصالحه وتسترضيه إلى أن يتمكن من إفقادك أعصابك في فرصة مقبلة.

كل ذلك بهدف تحقيق العدوان على نفسه والاستمتاع بأنه ضحية. وهو كاذب في كل الأحوال، ويستند في كذبه إلى اعتماد الناس بلا تفكير علي المنطق الصوري، وخاصة عندما يدعمه بأسباب شديدة الوضوح مثل الآثار الموجودة في جسمه الناتجة توا عن العدوان عليه، وهو ما نراه بوضوح في هذه الواقعة، من الطبيعي أن يصرخ من الألم بعد هذه العلقة الزوجية، ولكن من الطبيعي أيضا أن يكون هذا الألم قد خف أو سكن تماما قبل وصوله إلى غرفة الطوارئ في المستشفى، إلا إذا كان المستشفى موجودا في الشقة المجاورة، الهدف هنا هو إبقاء حالة الألم ساخنة وفعالة لدعم موقفه كضحية. وحتى إذا كان ما زال يصرخ ألما، فما الداعي لأن يحكي للطبيب على أسراره الزوجية؟ هل يطمع في أن يتولى الطبيب علاجها أم أن الهدف هو اتساع دائرة الجماهير التي تدرك أنه ضحية. المطلوب هو أن يثبت أن زوجته مفترية بدليل أنها تضربه بالحذاء وبكل ما يصل إلى يديها. وهنا نتعرف على عنصر الاعتياد في الحكاية. وهو عندما يحكي للطبيب أن السبب في ما حدث له، هو إيقاظه لزوجته لتؤدي صلاة الفجر، لا شك أن القراء الطيبين ومن سمعوا الحكاية في المستشفى من أطباء وممرضين ومرضى، سيمصمصون شفاههم ويقولون يا حرام.. «خيرا تعمل، شرا تلقى».

هي زوجة وربة بيت وتعتني بأربعة أطفال، هل تدرك المجهود الذي تبذله هذه السيدة طول النهار وجزءا من الليل؟ بالإضافة بالطبع لكمية التوتر الناشئة عن علاقتها غير الطبيعية بالزوج، وهو ما يمنعها من النوم بسهولة. هذا النوع لا ينام إلا فجرا أو قبله بقليل، والزوج بذكائه يدرك ذلك ويرى فيه فرصته ليضرب ضربته، فيبدأ بمحاصرتها، مرة والثانية، لاحظ تعبيره «فلما أصررت» واقع الأمر أنه لم يصر على أن تؤدي الصلاة، بل أصر على أن تقوم بضربه، لأنه يعرف أن الإنسان المجهد عندما يقوم من النوم قسرا، أو بشكل مفاجئ، لا يكون في حالة من الوعي تمنعه من ارتكاب الخطأ. إنها لحظات يختلط فيها الوعي الحذر بطبيعته مع اللاوعي المنفلت، وهو ما نعبر عنه في العامية المصرية «كنت قايم من النوم مدروخ».

سأتوقف هنا لحظة عند تعبير جديد مهم للغاية لصاحبه الشيخ عبد الله السويلم «الشرق الأوسط» 7 يونيو (حزيران) 2010، وهو عضو في برامج المناصحة الخاص بتصحيح أفكار عناصر تنظيم القاعدة المعتقلين في السجون السعودية. لقد جلس الشيخ عبد الله مع السيدة هيلة القصير (سيدة «القاعدة») يناقشها لساعة ونصف في أفكارها، وبعد أن تكلم عنها بتهذيب شديد قال: «إن الإشكالية التي وقعت فيها هيلة أنها تقوم (بأسلمة إجرامها وهوى نفسها)». هذه هي المشكلة بالنسبة للحالة التي نقدمها، «أسلمة» انحرافه أو مرضه النفسي. لأنه على وعي بأن من يسمع الحكاية سيقوم بإدانة الزوجة على الفور، ليس لأنها لا تطيع زوجها، بل لأنها لا تطيع الله سبحانه وتعالى. هنا نتعرف بسهولة على آليات التطرف في تفكير صاحبنا، أما حكاية أنه يخشى على أولاده من الضياع، فأنا أعتقد أن الأم هي التي تخشى على أولادها من الضياع. تجربتي مع هذا النوع من البشر، أكدت لي أنه ينتهز فرصة الأوقات الممتعة ليقلبها نكدا، هي تخشى من وجوده مع الأولاد في أوقات تناول الطعام لكي تقلل من فرص النكد.

منذ سنوات طويلة نشرت دار الهلال في كتابها الطبي مشكلة أرسلها قارئ يطلب حلا لها، هو زوج يحتل مكانة مرموقة، لديه عادة غريبة، في يوم الجمعة، يوم الإجازة تخرج زوجته لزيارة أمها، وعلى الفور يقوم بتنظيف الشقة، كنسها ومسحها، والقيام بغسيل الملابس، وبعد الغروب يستحم ثم يرتدي قميص نوم زوجته، ثم يجلس في انتظارها بلهفة، وهو يترقب وصولها من خلال شيش الشباك. وعندما تصل يبدأ في استفزازها بشتائم ثقيلة لتأخرها، فتفقد أعصابها وتنهال عليه ضربا بالشبشب فيأخذ في البكاء وندب حظه السيئ في الزواج من هذه السيدة المفترية، فتبدأ في مصالحته وتدليله وتصحبه بعدها إلى غرفة النوم.

رد عليه الطبيب النفسي بأنه لا توجد هناك مشكلة طالما بقيت هذه الحكاية معروفة للطرفين فقط، الواقع إنني اتهمت المطبوعة، بأن المشكلة منقولة من مجتمع أوروبي، فأكدوا لي أنها مصرية، وأنه عُرض الخطاب على عدد كبير من المسؤولين في الدار قبل نشره خوفا من هذا الاتهام. في ذلك الوقت البعيد لم تكن «أسلمة» الانحرافات قد ظهرت إلى الوجود.