مناهضة العنف.. بين أجهزة الأمن ودوائر المجتمع

TT

تأكيدات الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي، قبل عدة أيام أن رجال الأمن أفشلوا أكثر من 220 محاولة إرهابية إجرامية، والقبض على فاعليها، ومن وراءهم، يفرض علينا كمجتمع أن نرتقي بأدوارنا أيضا في هذا المجال لتتناغم نجاحاتنا مع نجاحات الأجهزة الأمنية، فأكثر من 220 محاولة ما كان لها أن تنشأ لو تحمل كل منا - من خلال موقعه - الجزء الذي يخصه من المسؤولية؛ لو أن كل أسرة رفعت مناعة أبنائها بالتربية المناهضة للعنف لما تسرب من بين جدران بعض بيوتنا من ينقاد لدعاته، لو أن كل معلم غرس في مشتل طلابه جذور الاعتدال لما خرج من بعض فصولنا من ينحاز إلى التطرف، لو أن كل خطيب جمعة منح هذه الإشكالية العظمى ما تستحقه من النصيحة والموعظة لرفع كفاءة المنصتين له للنفور من العنف ودعاته.

نعم نجحت الأجهزة الأمنية في إفشال هذا العدد الكبير من المحاولات في ضربات استباقية رائعة، نعم نجحت الأجهزة الأمنية في تجنيب الوطن حوادث أليمة ودامية، ولكن تنقية مشتل المجتمع تتطلب إسهاما تربويا واسعا، نشارك فيه جميعا كآباء، وأمهات، ومعلمين، وإعلاميين، ووعاظ، وأفراد عاديين، ولو تحملنا جميعا مسؤولياتنا لما أثقلنا كواهل الأجهزة الأمنية بكل هذه المسؤوليات الجسام.

كل أسرة تبرر الأخطاء التي يرتكبها ابنها في حق المجتمع بتحميل وزر انحرافه على «رفاق السوء»، وكذلك قد يفعل المسجد والمدرسة والمجتمع، وهذه الإحالات - في الغالب - هروب من الاعتراف بتربية منزلية هشة في بعض البيوت، عجزت عن غرس قيم السلام بين أبنائها والآخرين، فلم يستطيعوا - أي الأبناء - أن يصمدوا عند خروجهم من دوائرهم الأسرية الصغيرة، ويقاوموا تقلبات الريح، وهي أيضا محاولة لإخفاء بعض أخطائنا التربوية السابقة في المدرسة والمجتمع لتحقيق الأمن الفكري الشامل، لأننا لم نستطع أن نزود النشء بطرق التفكير المحفزة على التقويم الناضج لمختلف المؤثرات بدلا من أساليب التلقين المؤدية إلى الإذعان والتبعية العمياء، فـ«رفاق السوء» الذين نتخذهم مشجبا هم نتيجة وليسوا سببا، هم ضحايا أخطائنا التربوية في بعض البيوت، وبعض الفصول، وبعض دوائر المجتمع، لذا كنت أتمنى حينما يقبض على أحد المنخرطين في خلايا العنف أن يشير بأصبعه إلى مكامن الخلل، فيحمل أسرته، أو معلمه، أو واعظه، أو جميعهم مسؤولية ما حدث له، ويقول: «إنني حصاد زرعكم، غرس يدكم، ونبت مناخكم، وليس عليكم أن تلوموني، ولكن لوموا أنفسكم».

وباختصار: نجح الأمن في مكافحة العنف، وعلينا كمجتمع أن نتحمل مسؤولياتنا إلى جانبه لإيقاف ماكينة العنف من إنتاج المزيد، فهل نفعل؟