السعوديون واستشراف المستقبل

TT

ضمن مشروعهم النهضوي، الذي وضع لبنته الأولى الملك عبد العزيز، استطاع السعوديون خلال العقود الماضية، أن يحققوا تقدما تنمويا كبيرا، في شتى المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية. وذلك نتيجة شعورهم بمسؤوليتهم التاريخية، التي تدفعهم إلى البحث عن حلول إبداعية وعقلانية، مستشرفة لمستقبل وطنهم، ومسايرة لركب الحضارة، وضامنة لاستدامة ذلك المشروع العملاق، بما يتوافق مع متطلبات المراحل، في براغماتية خلاقة.

ولا يعني هذا التحفز نحو المستقبل، منذ عهد الملك عبد العزيز إلى اليوم، أن المشروع سيكون، بالضرورة، خارجا عن السياقين، الديني والمجتمعي، المعتبرين. فقد أسس السعوديون مستقبلهم في ضوء قيم وعادات مستمدة من عقيدتهم الإسلامية، كإطار مرجعي، إضافة إلى احترامهم العميق والكامل لأعرافهم الاجتماعية المعتبرة، والقيم المنبثقة عن البيئة، المتماشية مع طبيعتها. مدركين أن استشراف المستقبل، يجب أن لا يكون أسيرا، أو سائرا، في أنساق معرفية وافدة، ولا يكون خاضعا لمناهج دخيلة، لا تتسق مع المجتمع، ولا تواكب خصوصيته المعرفية والسلوكية.

إن التقييم الجيد للماضي والحاضر، يساعد بشكل أوسع، وأدق، على فهم التحديات الآنية، ومواجهتها، ويسهم في التنبؤ بالتحديات المستقبلية، من باب الاستعداد والتأهل للتعاطي الصحيح مع ما هو قادم. بمعنى آخر: دراسة المجتمع من خلال ماضيه وحاضره، لأجل مستقبله. فلن تنقطع تحديات بناء الدولة ونهوضها، ولا تحديات التعامل مع العالم المحيط، والمختلف، بل إنها ستبقى مستمرة في فكرتها، متشابهة في طبيعتها، وإن اختلفت مضامينها، وتعددت صورها، وتنوعت ظروفها. فقد علمنا التاريخ، أن الأحداث تتكرر، ولكن بأشكال مختلفة.

وتأتي إشكالية التطرف بشقيه، كواحدة من التحديات التي واجهها السعوديون في الماضي والحاضر، وسيواجهونها في المستقبل، بصورة لا يمكن أن تنفك عن متطلبات النهضة. إلا أن السعوديين، وبحكمة متناهية، استفادوا مما في تراثهم، ومما لدى الآخرين، في تعزيز طموحهم نحو المستقبل، وضمان سلامة خطواتهم السريعة، المتتابعة. وعملوا على إنضاج تجربتهم، وتكييفها وفق متطلبات المجتمع، ومصالحه الدينية والدنيوية. على الرغم من بعض التجاذبات المتطرفة، المعيقة.

ومن أجلى صور إنضاج التجربة، وتكييفها مع متطلبات المجتمع، ومصالحه، إنشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وزيادة عدد الجامعات، في طفرة غير مسبوقة، وإنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، وإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة، إلى غير ذلك من المشاريع العلمية والاقتصادية، التي تؤهل السعوديين للمنافسة، في عالم لا مكان فيه للتخلف والجمود.

ومع ذلك، فإن السعوديين ما زالوا محافظين على سلامة المنهج الذي قامت عليه دولتهم، وهذا ضرب من فنون القيادة الحكيمة، والإدارة الناجحة، يحتاج إلى قيادات ذات قدرة مرنة، تسمح باقتباس الأفكار ودمجها، وتشجع الإبداع، وترتب الأولويات التنموية.

كما تمتلك هذه القيادة، فوق ذلك كله، تلك الكاريزما القادرة على كسب العقول والقلوب، وهذا ما نعيشه في عصر الملك عبد الله بن عبد العزيز، من خلال قيادته للسعوديين نحو المستقبل.