هل ستموت اللغة العربية؟

TT

وأعود لموضوع النحو العربي والإملاء العربي لما أجد فيه من الأهمية السياسية والاجتماعية والعلمية. أثارت هذا السؤال: «هل ستموت اللغة العربية؟» مجلة «الإيكونوميست» البريطانية المهيبة في 24 أبريل (نيسان) الماضي. هذه مجلة متخصصة في مواضيع الاقتصاد والسياسة، فلماذا تناولت هذا الموضوع اللغوي المتعلق أساسا بقوم يلبسون دشاديش وجلابيات؟ الجواب هو في ما سبق أن قلته، وهو أن مصير اللغة العربية له دوره في المستقبل السياسي والاقتصادي للشرق الأوسط.

أكد الكاتب على ما سبق أن قاله هذا الكاتب، أنا. وهو أن اللغة العربية الفصحى بشكلها الحالي لم تعد لغة عملية ونبذها العلماء والأطباء وكل المهنيين. لم يعد قادرا على استعمالها غير المتخصصين فيها الذين أصبحوا مثل السحرة والكهان العارفين بأسرار المهنة. نصف من يستعمل لغته الأصلية فيجيد بها بأنه يستعمل «لغة الأم».. اللغة التي تعلمها من أمه، ولكن لا توجد الآن امرأة عربية واحدة تكلم طفلها بالفصحى، فاللغة التي يستعملها كل الكتاب ليست لغة الأم، وإنما لغة المدرسة.. تعلمناها في ما بعد مع اللغة الإنجليزية. وأستطيع كمحام أن أطعن في كل الإفادات والشهادات المطروحة أمامي في دعوى وأعتبرها باطلة لأنها دونت بلغة القاضي وليست بالكلمات التي قالها فعلا المتهم. كل القرارات الصادرة من المحاكم العربية باطلة لأنها لا تقوم على اللغة التي قالها فعلا المتهم والشرطي والشهود.

أضيفت مؤخرا مشكلة جديدة للموضوع؛ لم يعد الأمر يمس فقط الأقليات الإثنية في عالمنا العربي، فبسبب العولمة والنفط والثروات العربية وانتشار الإسلام في الغرب، وجد بعضهم ضرورة لتعلم العربية. التقيت بعشرات منهم، حاولوا ثم نبذوا المحاولة بعد أشهر قليلة بسبب صعوبات لغتنا.. لا يواجه مشكلات كتابة الهمزة والتعامل مع «حتى» في مواضع شتى حتى يرمي بالكتاب في سلة المهملات وينصرف للبحث عن لغة أسهل.

طوروا أخيرا ما يسمى بلغة «MSA» العربية المعتادة الحديثة «Modern Standard Arabic».

هذا موضوع يهم دعاة الإسلام في الخارج.. يحتاجون لمثل هذه اللغة تحت تناول الداخلين لدين محمد.

أستطيع أن أتصور رجلا يعتنق الإسلام ثم يواجه صعوبات اللغة فيهجره لدين آخر.

بانتهابنا لرموز الحضارة الغربية، وجدنا أنفسنا نستعمل كثيرا من مفردات وتراكيب لغاتهم.. أصبحنا مثلا نبدأ بالفاعل ثم الفعل: «المعلم قال» بدلا من «قال المعلم» كما تقتضي قواعد العربية. وهذا شيء كثيرا ما أقع فيه فأبدأ بالاسم، ربما خوفا من غضب المسؤولين؛ فالمهم ذكر المسؤول أولا، ولا يهم كثيرا ماذا فعله أو سيفعله. يرى البروفسور كلايف هولز، أستاذ اللغة العربية في جامعة أكسفورد، أن هذا لا يعني أفول هذه اللغة وموتها، بل يدل على حيويتها وقدرتها على التطور والتعامل مع كل الظروف الجديدة. وهذا صحيح؛ فاللغة كائن حي ويتطور.. اللغة العربية قادرة على التطور. العاجز عن التطور هو المواطن العربي، أو بالأحرى المثقف العربي. إنه هو الذي يرفض أن يتطور، ويتردد في تطويع لغته وتبسيط قواعدها، فيبقى متمسكا بنون النسوة ورفع المثنى بالألف.