قصيدة الباقوري عن جزمتي!

TT

كان ذلك سنة 1955. ذهب وفد مصري كبير برئاسة فضيلة الشيخ الباقوري إلى القدس ليشارك في «مؤتمر الخريجين» الذي يرأسه رجل الأعمال اللبناني إميل البستاني.. وصلينا في المسجد الأقصى وخطب الشيخ الباقوري. وخرجنا كل يبحث عن جزمته وسط مئات الأحذية والشباشب والقباقيب.. التي تناثرت في كل مكان ومطلوب من كل واحد أن يجمع رأسين في الحلال، ولم أعثر لجزمتي على أي أثر؛ «لا فردة شمال ولا فردة يمين»، وكان لا بد من أن أعود إلى الفندق.. والأرض مبللة، والمطر لا يزال ينهمر، والمشكلة أنه ليس عندي حذاء آخر، وأمامنا الذهاب إلى سورية ثم لبنان، ولا توجد محلات أحذية في الساعات المتبقية في القدس..

وبلغ الأستاذ الباقوري ما حدث، فارتجل هذه الأبيات:

تقول - جهير الصوت - إنك شفته

بخير حذاء يزرع الأرض ماشيا

يسير كظيم الغيظ محتشم الخطى

تكاد تجليه لك العين باكيا

أنيس فتى مصر وزينة وفدها

إلى القدس في ربى القدس ساعيا

وما كان صوفيا ولا كان زاهدا

ولا كان في الوادي المقدس ساعيا

ولكنّ مفتونا أراه دعابة

تسر على رغم الصديق الأعاديا

فأطلق في سر الحواري خياله

يرود له من آفة الحقد شافيا

فصال أنيسا باغتيال حذائه

ليرضي مفتونا ويضحك عاويا

ويجعل من وفد الكنانة ضحكة

تطأطئ من رأس الكنانة عاليا

لها الله - مصر - ثم لله وفدها

يؤدي رسالات الكبار كما هيا

واختفى الحذاء وبقي الشعر والنكتة.. ولو ظهر سارق الحذاء وسمع القصيدة لتوارى خجلا، فإنه لا يساوي حرفا مما أبدع الباقوري!