إسرائيل وعبور الأجواء السعودية

TT

في أمثالنا الشعبية يقال «كيف تعرف إنها كذبة؟»، فيقال «من كبرها»! وهذا المثل الشعبي ينطبق على الخبر الذي يقول إن المملكة العربية السعودية قد وافقت، سرا، على السماح للإسرائيليين باستخدام الأجواء السعودية للقيام بتنفيذ ضربة جوية على إيران.

فالخبر يقول إن الرياض قد وافقت، وأبرمت اتفاقا مع إسرائيل، بينما تواجه إسرائيل مشكلة أخرى وهي أن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ترفض السماح لإسرائيل باستخدام الأجواء العراقية أيضا لضرب المواقع النووية في إيران! فهل يعقل أن توافق السعودية، التي ليس لها أي علاقة بإسرائيل، بل ويتهمها وزير خارجية تل أبيب بالوقوف خلف حملة دولية، سياسية، وإعلامية، لتشويه صورة بلاده، على استخدام أجوائها لضرب إيران، بينما ترفض واشنطن، الحليف الأكبر لإسرائيل، منح حكومة نتنياهو الموافقة على استخدام الأجواء العراقية لضرب إيران؟ كلام لا منطق فيه، ولا يستقيم، وكان أمرا مهما أن سارع السعوديون في نفيه ليقطعوا الطريق على عملية غسيل الأخبار القائمة على قدم وساق في منطقتنا.

صحيح أن حجم الخلافات السعودية الإيرانية كبير، وليس هذا بسر، لكن الرياض لا تتصرف بتهور، أو مقامرة، فلم يعرف عن السعوديين حب المغامرة، أو المقامرة، في سياساتهم، أو علاقاتهم. وهنا لا بد من التذكير بقصة مهمة تظهر مدى تعقل الرياض، وانضباطها، حتى في أحلك الظروف. فبعد تفجير مجمع أبراج الخبر، والذي قتل فيه جنود أميركيون في السعودية عام 1996، وبعد تحقيقات مطولة، أرسل الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وهو صديق للسعوديين، مسؤولا أميركيا كبيرا لإقناع الرياض بأن من يقف خلف تلك العملية هو إيران.. وعليه، فإن واشنطن تطالب السعوديين بإعلان ذلك رسميا، لأن الإدارة الأميركية كانت قد أعلنت وقتها أنها ستقوم بالرد على من يقف خلف تلك العملية، دولة أو أفرادا، إلا أن السعوديين لم يستجيبوا لطلب واشنطن، على الرغم من كل ما لديهم من معلومات تحصلوا عليها بأنفسهم من خلال التحقيقات التي أجريت بعد تلك العملية الإرهابية.

يومها كان بوسع السعوديين أن يضعوا إيران في فوهة المدفع، أو أمام الثور الأميركي الهائج. صحيح أنه وقتها كانت العلاقات بين الرياض وطهران تشهد بعضا من الانفراج، لكن السعودية لم تنخدع يوما بما تفعله إيران على الأرض. فلا يمكن أن تنسى الرياض تاريخا حافلا من المشاكل مع إيران ما بعد الثورة، إلا أن السعودية لم ترد القيام بأي عمل من شأنه إشعال المنطقة، ولو كان لتقليم أظافر إيران.

وهذا لا يعني أنه من الممكن أن يتساهل السعوديون مع وجود إيران نووية، لكن السلوك السعودي لا يمكن أن يصل إلى التهور، والبحث عن حروب، ناهيك عن التعاون العسكري مع إسرائيل، أيا كانت الأسباب، أو المبررات. ولذا، فالقصة كلها لا يمكن تصديقها حتى من قبل أصحاب نظرية المؤامرات، وخصوصا عندما يقال إن السعودية وافقت على استخدام أجوائها، بينما ترفض أميركا السماح لإسرائيل باستخدام الأجواء العراقية! ولذا نقول إن أكبر دليل على أنها كذبة هو أنها كبيرة جدا!

[email protected]