الممر السعودي والضربة الإسرائيلية

TT

بين تل أبيب وطهران نحو 1900 كيلومتر، هي المسافة التي تفصل المقاتلات الإسرائيلية عن الأهداف الإيرانية في حال نشوب حرب بين البلدين. لكن الطريق المستقيمة بين البلدين مغلقة بسبب السعودية والعراق، وبالتالي يتبقى لها ممران بديلان؛ حيث يمكن لطائرات إسرائيل الطيران فوق البحر الأحمر ومياه الخليج لمهاجمة الأهداف الإيرانية، أي السفر نحو 4500 كيلومتر. والخيار الآخر أن تطير شمالا، عبر تركيا، وهنا عليها أن تقطع نحو 2200 كيلومتر.

هذه الحسابات الجغرافية، ربما ليست دقيقة، لكنها تعيننا في فهم الأبعاد السياسية لمضاعفات المواجهة العسكرية بين إيران وإسرائيل؛ فإسرائيل، وإن كانت القوة العسكرية الأكبر في منطقتنا، تظل قوة محدودة، فهي صغيرة عسكريا إذا ما قورنت بإمكانيات دولة عظمى مثل الولايات المتحدة التي تتمتع بست قواعد عسكرية في الخليج والعراق، وحاملات طائرات تربض قبالة إيران مباشرة، ولها أذرع جوية من طائرات تقلع من أميركا أو أوروبا أو المحيطات إلى أبعد نقطة في العالم دون الحاجة إلى الهبوط في أي مطار، مستخدمة قدراتها التموينية في الجو، التي تمكنها من الالتفاف على أي حدود مغلقة. أما إسرائيل فلا تملك هذه الإمكانيات للدخول في حرب طويلة الأمد وبعيدة المسافة مثل إيران إلا بمخاطرة عالية.

لهذا فوجئت عندما قرأت ما كتبته صحيفة «التايمز» أن مصدرا أبلغها بأن السعودية وقعت مع إسرائيل اتفاقا سريا لاستخدام أراضيها لضرب إيران. قلت: أولا، لا يمكن أن يكون سرا صاعقا كهذا، ويذاع. وثانيا لا يمكن للسعودية التورط في حرب مع إيران.

والأهم من تحليل مصداقية المعلومة هو التعرف على سلوك الدول نفسها. فالسعودية تعتبر أكثر دول الشرق الأوسط تحفظا، وأشهرها في تجنب التورط في المغامرات العسكرية مهما كانت الإغراءات والأدوار السياسية. والحالة الاستثناء هي حرب تحرير الكويت التي كانت حربا مصيرية.

والسبب الأكثر أهمية لرفض الرواية أنه لا يعقل أبدا أن تسمح الرياض للإسرائيليين بعبور أراضيها لضرب إيران، لأن ذلك يعني عمليا إدخال السعودية في الحرب مباشرة مع الإيرانيين. وربما إذاعة الخبر هو في حقيقة الأمر هدفه إحراج السعودية وتخريب العلاقة السيئة أصلا بين الرياض وطهران. انخراط السعودية في حرب ضد إيران برغبتها أمر يستحيل أن تفعله، ليس فقط رفضا للمبدأ، بل أيضا لأنه يشكل مخاطر حقيقية على أمن السعودية وسلامتها. ولا ننس أن الرياض رفضت نفس المطالب التي قدمتها الولايات المتحدة عام 2003 عندما جهزت لغزو العراق، وبسبب الرفض السعودي لمنحها ممرات جوية وبرية اضطرت واشنطن إلى البحث عن ممرات أخرى، وسبب ذلك لاحقا فتورا في علاقات البلدين.

ويمكن التعرف على التفكير السعودي من خلال خمسين عاما من التعامل مع الصراعات الكثيرة في المنطقة. فهي على الدوام تبتعد عن التورط في المواجهات العسكرية مهما بلغت حدة الخلافات السياسية. وأعتقد أن السياسيين في الرياض يدركون جيدا أن إيران ليست بالدولة الصغيرة، ويتواجهون معها بأكبر ساحلين على ضفتي الخليج. ويعرفون أن الانخراط في مشروع حرب، مثل السماح للطيران الإسرائيلي أو حتى الأميركي، يدخل – عمليا - السعودية في حرب مع إيران، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بنتائجها بعد ذلك، وقد تورط صدام حسين لثماني سنوات في حرب مروعة مع الإيرانيين بسبب حماقته.

السعوديون بالتأكيد قلقون من المشروع النووي الإيراني، ويخشون أنه موجه ضدهم وضد بقية دول الخليج، لكن هذا الشك لا يمكن أن يكون دافعا لارتكاب مغامرة حرب مدمرة مع دولة تكبر السعودية ثلاث مرات.

[email protected]