العيش على الأمل داخل إيران

TT

على الرغم من ضرورة العقوبات من أجل إحباط البرنامج النووي الإيراني، تبقى هذه العقوبات قضية ثانوية، ذلك أن تحدي الشرعية الأخلاقية والسياسية للعنف الذي تمارسه الدولة الإيرانية ضد مواطنيها ينبغي أن يشكل أولوية ملحة أمام المجتمع الدولي. بعد مرور عام من أعمال القسوة غير العادية، بات التضامن مع أولئك الذين يناضلون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان على القدر نفسه من الأهمية مثل العقوبات الموجهة ضد حكام إيران.

الواضح أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي عقدت في 12 يونيو (حزيران) 2009 بدلت مصير الجمهورية الإسلامية، حيث مثلت المظاهرات غير المسبوقة تحديات خطيرة، ليس لمصداقية محمود أحمدي نجاد السياسية فحسب كرئيس لإيران، وإنما كذلك للمكانة الأخلاقية لآية الله علي خامنئي وشرعيته كمرشد أعلى للثورة.

وشكل الغضب العام واندلاع التشاحنات بين مهندسي الثورة أخطر التحديات أمام النظام الديني الإيراني منذ أن حل محل الشاه عام 1979. ووجدت العناصر الإصلاحية التي ساورها اعتقاد بأن النظام سمح بمساحة للإصلاح في مواجهة هيكل استبدادي استخدم عنفا متطرفا في ضمان بقائه السياسي. وخاطر آخرون بأن تجرأوا بالمطالبة بحقوقهم المدنية فتعرضوا إلى السجن والتعذيب والاغتصاب والإعدام. وتوحي الحملات الصارمة المكثفة ضد الصحافيين والمثقفين والطلاب والناشطات المعنيات بالمرأة بمدى عزم النظام الإيراني على تأمين مستقبله السياسي.

وعلى الرغم من أن المظاهرات الشعبية عجزت عن وضع نهاية للنظام الإيراني، فإنها أضرت كثيرا بشرعيته على الصعيدين الداخلي والخارجي. قطعا، يثير تراجع أعداد المظاهرات في شوارع طهران انطباعا بانحسار حركة الاعتراض وأن مير حسين موسوي ومهدي كروبي يفقدان الزخم الخاص بهما. والواضح أنه سيتعين على هذين الزعيمين المعارضين تقرير ما إذا كانوا سيمضون قدما أم سيقبلون اتفاقا مذلا مع حكومة أحمدي نجاد من شأنه تقليص مكانتهما الأخلاقية والسياسية بصورة بالغة. بالنسبة إلى السلطات الإيرانية، لا يزال التساؤل القائم حول ما إذا كانت الحملات الصارمة المستمرة نجحت في وضع نهاية للمساعي الشعبية نحو الديمقراطية أم أنها على النقيض، أثارت تحديا أوسع لحكمهم.

وتترك مثل هذه الديناميكيات الناشئة المرتبطة بالسلطة المنشقين الذين يشكلون «الحركة الخضراء» الإيرانية في مواجهة خيارات صعبة، فإذا ما مضوا في الإصرار على ممارسة حقوقهم القانونية عبر المظاهرات السلمية، فإنهم يخاطرون بإثارة مزيد من سفك الدماء من جانب المؤسسة العسكرية وقوات الأمن الساعية إلى نيل مزيد من السلطة باسم الاستقرار. وإذا ما وضعوا نهاية لحركة العصيان المدني التي ينظمونها بسبب أعمال القمع العنيفة على امتداد العام الماضي، فإنهم قد يخسرون اهتمام وتعاطف العالم الخارجي.

الأمر المؤكد أن الهيكل السياسي الإيراني يواجه أزمة شرعية، حيث فقدت العناصر المسيطرة حاليا على السلطة مصداقيتها الأخلاقية جراء قسوتها وأكاذيبها. عبر التأكيد على المبدأ الجمهوري للسيادة الشعبية، قدمت «الحركة الخضراء» ادعاء شرعية مضادة في مواجهة السيادة المطلقة للمرشد الأعلى.

وتتمثل القضية الآن فيما إذا كانت الجماهير الإيرانية سترفض السيادة المطلقة من الأعلى، حتى في الوقت الذي تسعى فيه الدولة إلى فرضها بالعنف، مع إبداء إيمانها بالتحدي الشعبي غير العنيف من جانب المجتمع المدني من أسفل. في خضم مجتمع سياسي عنيف مثل إيران، يعد اختيار التحرك غير العنيف من قبل «الحركة الخضراء» الإيرانية دليلا على النضج السياسي والاستقامة الأخلاقية. وعبر اتخاذ هذا الموقف الأخلاقي، أعتقد أن هذه الحركة ستزيد حجتها السياسية قوة.

وإذا كان المجتمع الدولي يرغب في دعم هذا السعي غير العنيف وراء الديمقراطية في إيران، فيجب عليه الاعتراف بأصوات الانشقاق وتشجيعها داخل وخارج إيران. وتعتمد فرص الديمقراطية في إيران بدرجة كبيرة في الوقت الحالي على ما إذا كانت انتهاكات حقوق الإنسان، ومساءلة أولئك الذين يقترفونها، تحتل مكانة كبيرة في الأجندة العالمية.

إن خلق تحد غير عنيف لعنف النظام السياسي من دون فقدان الأمل ليس بمهمة يسيرة، بل يعتقد الكثير من المحللين أنها مهمة غير ممكنة. وربما كانوا صائبين.

إن الأمل هو العماد الوحيد الذي يساعد على تماسك الحركة المدنية الإيرانية. والأمل هو مستقبل الديمقراطية الإيرانية. وإدراك أن العالم يأبه لما يجري في البلاد يشكل عنصرا حيويا في الحفاظ على هذا الأمل حيا.

* منشق إيراني ترأس قسم الدراسات المعاصرة في مكتب الأبحاث الثقافية في طهران حتى إلقاء القبض عليه في أبريل (نيسان) 2006. وأطلق سراحه في أغسطس (آب) من العام نفسه، ويعيش حاليا في المنفى بكندا، حيث يتولى التدريس في جامعة تورنتو

* خدمة «غلوبال فيوبوينت»