نشر أفكار الحرية بين الكوريين الشماليين

TT

كيف يمكن أن يتغير، في نهاية المطاف، عقل ولد في ظل حكم استبدادي وتكيف على الولاء وتغذٍّ على الأكاذيب؟ ما هي التحولات أو النقرات أو الانشقاقات؟ يقول كيم سونغ مين، وهو ضابط سابق كان يخدم في جيش كوريا الشمالية، وتحول إلى المعارضة في التسعينات: «لا يمكنني ذكر حدث بعينه». «كنت مخلصا جدا لكيم جونغ إيل وللحزب». وكان والده كاتبا وأستاذا جامعيا معروفا، وأمه صحافية. ولكنه يتذكر مطويات كانت تسقط عبر الحدود، وأظهرت صورا عن كوريا الجنوبية: «صدمتني إحدى الصور.. كانت لأفراد يرتدون أشكالا مختلفة من الملابس، وكان ذلك لافتا للنظر بالنسبة لي». في هذه العزلة القوية، كانت إمكانية اختيار الملابس التي يرتديها الفرد تشعل ثورة داخل العقل.

وبقيت صورة أخرى في ذهن كيم. وأخبرني قائلا: «في يوم عيد ميلاده، كان كيم جونغ إيل يعطي سيارات مرسيدس بنز لأفراد في الطبقات المميزة. وكان يغدق عليهم اليوسفي والموز، التي لم يرها معظم المواطنين في كوريا الشمالية مطلقا». (ما رأيك في اقتصاد يُنظر فيه إلى اليوسفي على أنه رمز للتميز) . «وعندما كنت في إحدى المرات مسافرا في عمل، شاهدت 20 جثة على الأرض»، كانوا من ضحايا الجوع. «وكان ذلك شيئا مألوفا، ولكن كان الناس متجمعين حول جثة يشاهدونها. كان هناك طابوران من القمل يتحركان على الجثة، يخرجان منها بعد أن مات المضيف. وعندما أفكر الآن في هذا المشهد، أشعر وكأنني على وشك أن أتقيأ».

ويقول كيم إن معظم المواطنين في كوريا الشمالية «لا يجدون وجها للمقارنة» يمكن أن يكشف اضطهادهم أو معاناتهم ويظهر أنها شيء غير عادي. ويدير كيم حاليا إذاعة كوريا الشمالية الحرة التي تبث برامجها على الموجة القصيرة عبر الحدود. ويطلق معارضون آخرون بالونات هيليوم كبيرة تحمل مطويات وأجهزة راديو صغيرة ودولارات. ويحاول كل منهم تكرار الثورة الداخلية الخاصة بهم عن طريق بذر شكوك يمكن أن تتحول في يوم من الأيام إلى معارضة.

إنها مهمة محفوفة بالمخاطر، ويمثل المعارضون عناصر تذكرة حية للنضال البطولي الخطير الذي يفضل مواطنو كوريا الجنوبية الأثرياء في بعض الأحيان تجاهله. ويقول كيم: «عقدت حركات اشتراكية كورية تظاهرات، وأجبرونا على الانتقال من مكان إلى آخر، ووصلتنا عبر البريد بلطات مغطاة بالدماء. وأرسلت كوريا الشمالية جواسيس، وهاجم الهاكرز موقعنا الإلكتروني، وفي وقت كنا نحمل جميعا أجهزة (تاسر) لحماية أنفسنا. وفي الوقت الحالي يوجد شرطيان في الأسفل لحمايتي».

ولكن، هذا أيضا أفضل وقت يكون المرء فيها محاربا معلوماتيا، فقبل عشرة أعوام أو خمسة عشر عاما، كان الحصول على أخبار من كوريا الشمالية يعتمد على حياكة خطابات داخل سترات وعبور الحدود. وفي الوقت الحالي، تنتشر مقاطع فيديو مسجلة سرا عن عمليات إعدام عامة داخل معسكرات الاعتقال في كوريا الشمالية على شبكة الإنترنت.

وتلعب الصين دورا غير متوقع في الانفتاح التدريجي داخل كوريا الشمالية. ليست الحكومة الصينية التي لا تزال تلقي القبض على المعارضين وتعيدهم. ولكن وصلت ثقافة التهريب الصينية المزدهرة إلى كوريا الشمالية، وأدت التجارة القانونية وغير القانونية إلى انتشار أجهزة الراديو وأجهزة الهاتف الجوال. وتغطي شبكات التليفون الجوال الصينية المناطق الحدودية في كوريا الشمالية. ويدير سماسرة شبكة سرية مربحة لتهريب معارضين من كوريا الشمالية إلى الصين، وبعد ذلك إلى منغوليا أو تايلاند أو فيتنام. وبصورة غير متوقعة، أصبح الانفتاح النسبي داخل الصين بمثابة تهديد خطير للنظام الحاكم في كوريا الشمالية. وبعد ثلاثة أعوام قضاها كيم مختبئا داخل الصين بعد انشقاقه، تحول إلى المسيحية. ويقول كيم: «عندما جئت إلى الصين أول الأمر، عرفت المعنى الحقيقي للصليب».

وعلى ضوء محدودية الخيارات الاستراتيجية المرتبطة بكوريا الشمالية، يصبح الهجوم المعلوماتي على النظام الحاكم شيئا ملحا بدرجة أكبر. وتدعم المنحة الوطنية من أجل الديمقراطية إذاعة كوريا الشمالية الحرة. ولكن، لا تظهر كوريا الجنوبية ولا الولايات المتحدة نشاطا كبيرا أو التزاما بتطبيق تقنيات معلوماتية جديدة من أجل المساعدة على انتشار الحرية.

وتعد التقنية شيئا مهما في هذه المهمة، ولكن يذكرنا معارضون بأن التقدم الديمقراطي يعتمد في النهاية على إصرار أخلاقي. ولك أن تسأل، كيف يمكن أن يتغير عقل؟ يقول معارض كوري شمالي آخر يدعى كانغ تشول هوان أن مفتاح ذلك في «الشجاعة الداخلية لرؤية جوهر الشر».

وفي سيرته الذاتية (شاهد)، يروي ويتاكر تشامبرز قصة دبلوماسي ألماني في موسكو إبان الحرب الباردة تخلى عن معتقداته الشيوعية. وتشرح ابنة الدبلوماسي التغير الذي طرأ، وتقول «كان مناصرا للاتحاد السوفياتي بدرجة كبيرة وبعد ذلك - ربما تسخر مني ولكن يجب ألا تسخر من أبي - سمع صراخا في إحدى الليالي، هذا كل ما في الأمر، ببساطة سمع في إحدى الليالي صراخا». وبالنسبة لمن لديهم آذان يسمعون بها، فإن هذا الصراخ يمكن أن يسمع داخل كوريا الشمالية.

* خدمة «واشنطن بوست»