المعركة في مكان آخر

TT

بينما نحن مشغولون في الشجب والتنديد، ومهاجمة بعضنا البعض، أو محاولة إقناع حماس بتوقيع الورقة المصرية للمصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، شرعت إسرائيل عبر جماعات الضغط الموالية لها بأميركا لتدشين حملة إعلانية عبر الصحف الأميركية تدعو فيها القارئ الأميركي إلى أن يتأمل بعض ما سموه حقائق قبل أن يكوّن رأيه حول ما حدث لأسطول الحرية المتوجه إلى غزة.

إسرائيل عملت وفق المقولة الشهيرة «عندما تقتل شخصاً ابحث عن محامٍ ليساعدك، وعندما تقتل عشرة قم بحملة علاقات عامة، أو استعن بلوبي»، بينما الضحية، العرب والأتراك، اكتفوا بالصراخ والشتائم. الإعلان المدافع عن إسرائيل يقول للمواطن الأميركي، وصانع القرار، إن المنظمة الإنسانية التركية التي تقف خلف تمويل أسطول الحرية منظمة داعمة مالياً بشكل دائم لحماس، «الإرهابية» بحسب الإعلان، وإن المنظمة التركية لها علاقة بأحد مسؤولي حماس يحاول الإعلان الإيحاء بأن له علاقة مع جماعة خططت لاستهداف مطار لوس أنجليس الدولي عام 1999! ومن الاتهامات التي يصورها الإعلان على أنها حقائق، أن ركاب سفينة مرمرة كانوا مستعدين لأن يكونوا شهداء، والمقصود بالطبع أنهم «انتحاريون»، ومغالطات أخرى احتواها الإعلان.

يحدث كل ذلك، وكما أسلفنا، والعرب، والأتراك أيضاً، يخاطبون أنفسهم، سواء عبر إعلامنا، أو من خلال الخطب التي لا تغني ولا تسمن من جوع، ناهيك عن المؤتمرات العاجلة، وغير العاجلة، بينما إسرائيل، المدانة بكل وضوح، تتحرك وفق آلية واضحة، ومدروسة، ليس لكسب الرأي العام الدولي، بل لتحييده؛ فتل أبيب لن تستطيع كسب الرأي العام الدولي، أو الأميركي، في قضية غزة، وهي تعرف ذلك، ما دام أن من بين ضحايا السفينة نشطاء محسوبين على منظمات دولية، إلا أنها تحاول تعزيز موقفها، بينما نحن أصحاب الحق والحجة، أبعد ما نكون عن العمل المنظم، واستخدام الأدوات المتاحة إعلامياً، وقانونياً، لجعل جريمة غزة تستمر في الدحرجة على رأس إسرائيل ككرة الثلج، خصوصاً أن السياسة عمل مستمر، لا عواطف فيه.

المشكلة أن من يدعون التعاطف مع غزة، والقضية الفلسطينية، لا يريدون التفكير، والعمل الجاد، كما لا يريدون سماع الرؤية النقدية، ولذلك يتفرغون لشتيمة وتخوين كل من يخالفهم الرأي، ومنهم، للأسف، بعض الإعلاميين العرب الباحثين عن الشعبية المزيفة، حيث بات المطلوب النواح، بدلا من النقد والعمل، وهذا أمر تعودناه في كل أزمة.

إسرائيل تتحرك حيث مكان المعركة، بينما عربنا يكتفون بإلقاء الخطب، والإدانة؛ فحتى البعض في حماس، وبلا حياء، يتهم عمرو موسى بأنه قد زار غزة لامتصاص الغضب العربي. والسؤال هو ماذا فعلت حماس أصلا لرفع الضيم عن أبناء غزة، أو لتعزيز الموقف الفلسطيني، خصوصاً أن حماس باتت قريبة من موقف السلطة الفلسطينية، بعملية السلام، وضرورة وقف استخدام صواريخ التنك، حيث أرسلت حماس رسائل عدة لواشنطن، أيام أزمة أسطول الحرية تطلب فيها ودها!

وعليه، فعلى العرب، وقبلهم الفلسطينيون، أن يسألوا أنفسهم ماذا فعلوا بأزمة أسطول الحرية لخدمة قضيتهم، بدلا من أن نتساءل ماذا فعلت لنا أميركا، وماذا سيفعل لنا الغرب.

[email protected]