ابدأ بإصلاح اللغة

TT

استعرضت في المقالات السابقة المقالب والطرائف والمصاعب التي كثيرا ما وقع فيها الناطق باللغة العربية. هذه لغة جميلة وقواعدها، كما قلت، تشكل زخرفا ممتعا أشبه بألغاز الكلمات المتقاطعة. ولكن للجمال دائما ثمنه مع الأسف. والثمن هنا صعوبة استعمالها. وتفاقمت هذه الصعوبة بدخول الأقوام غير العربية وتطور التكنولوجيا العالمية، أي شخص يستعمل الكومبيوتر يواجه صعوبة تطويع هذه الآلة لمتطلبات اللغة العربية وحروفها. كم التقيت بأجانب بذلوا سنوات كثيرة في محاولة تعلم العربية، ثم تخلوا عن المحاولة يائسين منها.

إذا كنا نريد منها أن تصبح لغة عالمية حقا فلا بد من تبسيط قواعدها.

وهذه نقطة مهمة بالنسبة لوحدة الدول العربية التي تحتوي على أقليات أو أكثريات غير عربية. إن من أهم مشكلات الأكراد مع العرب هي أننا نحاول أن نفرض عليهم لغة لا قدرة للإنسان السوي، حتى إذا كان عربيا، على تعلم قواعدها. ما إن يخلط الكردي بين المذكر والمؤنث حتى نضحك عليه، ونثير بذلك حقده علينا. قال لي بعض الأكراد: إذا كان علينا أن نتعلم هذه اللغة الصعبة فمن الأفضل لنا أن نتعلم الإنجليزية ونستعملها. وهذا ما يقوله الأمازيغيون أيضا عن الفرنسية. وما زال الجزائريون حائرين حيال هذه المعضلة. هذه نقطة تشجع الروح الانفصالية وتمزق الوحدة الوطنية.

ولا بد من تبسيط قواعدها إذا كنا نريد أن نحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان، فالأكثرية الساحقة من شعوبنا لا تعرف النحو ولا تستعمله. لن تسمعهم يقولون: المعلمون حاضرون. بأي حق نفرض على الأكثرية الساحقة أن تستعمل لغة لا قدرة لهم عليها بحيث يضطرون إلى استخدام عرضحالجي ليكتب لهم عرائضهم.

تنتقل هذه الخطورة إلى ميادين العلوم والفنون، حاولوا في بغداد تدريس الطب بالعربية، ثم اضطروا للتخلي عن المحاولة. وقلما تستطيع أن تعثر على عالم أو طبيب أو مهندس عربي يستطيع كتابة فقرة واحدة خالية من الخطأ. الإنجليزية والفرنسية هي عالمهم الذي يعملون فيه. اللغة العربية لغتي وأنا ابن مدرس لهذه اللغة، واللغة الإنجليزية لغة دخيلة تعلمتها في شبابي، ومع ذلك فأنا ألقي محاضراتي بالإنجليزية ارتجالا، ولكنني لن أجرؤ على إلقاء نفس المحاضرة بالعربية الفصحى بدون نص أمامي، وبعد تشكيل الكلمات.

بالطبع إنني لا أدعو إلى التخلي عن اللغة العربية. كيف أدعو لذلك ومعيشتي عليها. ولكن حرصي على خلودها والحفاظ على حيويتها وجمالها يقتضي إصلاحها بالتخلي عن الكثير من القواعد النحوية التي تعقدها وتعرقل سلاستها وسهولتها لنجعلها في متناول الأكثرية، وكل من يسعى إلى التعرف بنا والانضواء تحت راية العروبة. كثيرا ما عبر القراء عن استمتاعهم بمقالاتي بسبب بساطة لغتها وسلاستها. وهو شيء أتقصده وأحققه بتحاشي متطلبات النحو حيثما تمكنت، والميل إلى الشعبية والعامية في صياغة الجمل. ولا أشك في أن الكثير من محترفي الأدب ينظرون لأسلوبي باحتقار وشفقة، ناهيك عما أعانيه من المحررين والمصححين الذين لا ينفكون عن تصحيح كلامي، سعيا منهم لمساعدة هذا الجاهل بقواعد سيبويه ونفطويه.