انتهى وقت الخداع.. فماذا بعد؟

TT

قبل سنتين قلنا: «لا تغدقوا الحوافز.. فإنهم لا يفهمون لغة الحوار». وطيلة سنتين لم يفهم العالم من الملف النووي الإيراني غير المماطلات والخداع. ولم يخرج قصدهم من التوقيع على الاتفاق مع تركيا والبرازيل عن نطاق هذا التوصيف. لكن المجتمع الدولي قد وعى اللعبة. ولو جرى التعويل على الاتفاق وأخذ به لوضعت قدرات فنية إضافية في خدمة توجهات التسلح النووي، ما دامت لم توقف عملية تخصيب اليورانيوم، ولم تسلم كامل الكمية الموجودة فعلا لديها، ولم يسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالدخول الحر إلى المنشآت، ولم تقدم معلومات وافية عن البرامج السرية المتعلقة بالرؤوس غير التقليدية للصواريخ وغيرها. ووفق هذا التفسير يفترض اعتبار الاتفاق مرفوضا.

قد تلجأ إيران إلى إثارة مشكلات وتعقيدات بخصوص تفتيش المواد المتجهة منها وإليها، لا سيما أنها أجرت ممارسات تدريبية مسبقة. وستعد أفعال كهذه خرقا فاضحا لقرارات دولية صدرت تحت الفصل السابع. ومن المرجح أن تزيد نطاق التخريب في العراق وأفغانستان. وفي الحالة الأخيرة ينبغي أن يكون الرد حازما، وليس وفق القواعد الفاشلة، التي اتبعت سابقا وشجعت نظام المرشد على التمادي. فالانسحاب الأميركي من العراق لا مبرر لإعادة جدولته، والتدخل في الشأن الأفغاني يعد عملا عدائيا عندما يتسبب في قتل جنود من القوات الدولية.

ستترك العقوبات أثرا مهما على الوضع الإيراني، ولم يعد رفعها ممكنا إلا بحصول متغيرات حاسمة. وسيرتكب المسؤولون خطأ فظيعا إذا ما اتخذوا منها مبررا لمواصلة سياسة التحدي. فهي لم تصمم كعقاب نهائي، بقدر ما تعتبر محطة اختبار تمهد لإجراءات قاسية. ومن مصلحتهم تفسيرها كجرس إنذار ومقدمة لإجراءات غير محددة.

في المرحلة الأولى، سيجد المتشددون في العقوبات متنفسا مؤقتا من احتمالات تعرضهم لضربات جوية وصاروخية مفاجئة. وكعادتهم، سيغلبهم غلو مبني على تقديرات خاطئة، فيفقد أصدقاء المصالح ما بقي لديهم من حجج إعطاء الفرصة للعقوبات، التي لا يمكن بقدرها الحالي تحقيق الهدف الذي صدرت من أجله.

وقد لا تكون العقوبات المفروضة على التجهيزات البرية للقوات مؤذية، لأن القوات البرية ستكون معطلة أساسا في أي مجابهة مفترضة. إلا أن القرار الروسي بتجميد صفقة سابقة مع إيران لبيع صواريخ أرض - جو من طراز «إس 300» يمثل خطوة مهمة. فهذه الصواريخ لا تعتبر ضمن الأسلحة الدفاعية، ما دامت تشجع حيازتها الطرف الآخر على التمادي في تجاوزاته على المجتمع الدولي.

الاستهانة بالعقوبات باللغة التي تحدث بها نجاد تعكس خطورة الغاية الإيرانية، فليس معقولا تحمل حلقات متعاقبة من الإجراءات لا يمكن استبعاد تطورها إلى فعل عسكري قوي، لولا أن الغاية تستحق التضحية من وجهة النظر الرسمية. لذلك، لا يجوز التراخي الإقليمي في تعزيز المراقبة على حركة المواد والأشخاص والأموال المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن. فالقرارات العادلة لا تصدر إلا على أساس الذنب، والمذنب يستحق العقاب وفق كل الشرائع.

للعقوبات الأخيرة أهمية استثنائية، لأنها صدرت بإجماع الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. فلم تدرك طهران أن مصالح روسيا والصين مع الغرب لا يمكن قياسها بمصالحهما المتبادلة معها. وفي النتيجة، فوجئ المسؤولون الإيرانيون بواحدة من حالات التنسيق الدولي المميزة. وكلما تمادوا أكثر ستطور روسيا موقفها بطريقة أقوى.

ولعل من المفيد تذكرة الجماعات والحركات والأحزاب العربية التي ربطت مصيرها بمصير ولاية الفقيه إلى حد الخضوع، بأن طهران ستصبح في وضع لا تحسد عليه كلما تراكمت الإجراءات العقابية، ومن الضروري مراجعة المواقف بما لا يجعلها عرضة لمفاجآت سلبية. وليس معقولا مواصلة الارتباط بنظام مارق مرفوض لدى مواطنيه والعالم وتحمل تبعات ما يقع عليه.

الشيء الأكيد أن إيران ستواصل نهجها النووي وفق المعادلات الحالية، ولن يكون مفاجئا إجراء تجربة نووية خارج نطاق الحسابات الأميركية للزمن المطلوب، مما يقتضي الانتباه إلى أهمية عامل الوقت. فالوقت الضائع كان مؤذيا على الرغم من أنه فرض بسبب طول مرحلة نضوج الموقفين الروسي والصيني للموافقة على العقوبات.

الضربة العقابية التي تلقتها أقطاب نظام المرشد جرعتهم مرارة مواقفهم، فهم بالتجربة لا يفهمون منطقا آخر، فقد رقصوا على أنغام الأزمة المالية العالمية، وعملوا على إثارة الأزمات لزيادة عائداتهم النفطية، وبواسطتها يسعون إلى امتلاك سلاح نووي يهدد أمن العالم.