البيضة والدجاجة في اليمن

TT

قيل قديما: «لا بد من صنعاء ولو طال السفر».. وأيا كانت الأسباب في الماضي التي استدعت هذا البيت من الشعر، فإن واقع الحال اليوم ينطبق عليه أيضا. فالكثير من المشكلات التي يعانيها اليمن والتي تسبب صداعا إقليميا ودوليا، يكمن في صنعاء والسياسات التي تقرر هناك.

واليمن كما هو واضح هذه الأيام إحدى النقاط الجديدة القديمة المشتعلة في المنطقة، ومشكلاته سياسية - اقتصادية - أمنية.. جديدة بحكم دخول خطر «القاعدة» على الخط بمحاولتها إيجاد قاعدة بديلة عن أفغانستان والعراق بعد محاصرتها هناك، وكذلك بمشكلتي التمرد الحوثي في الشمال، والقلاقل في الجنوب ووجود تيار يدعو إلى الانفصال والعودة إلى وضع أيام الصراع الدولي إبان الحرب الباردة عندما كانت هناك دولتان في الشمال والجنوب.

مشكلات قديمة، لأن الاستقرار السياسي بمعناه الاستراتيجي الأشمل لم يكن قائما بمعناه الحقيقي في العقود الأربعة الأخيرة، ولا حتى في دولتي الشمال والجنوب وقتها. فقد كانت هناك صراعات أخذت في أحيان كثيرة شكلا دمويا، كما حدث في الجنوب عندما أطيح بعلي ناصر محمد، أو في الشمال في صراعات كثيرة، ووصلت الذروة في الحرب الأهلية عام 1994. ولكن، بحكم العادة الدولية فإنه لا أحد يهتم حتى يصيب رذاذ المشكلة العالم.

وفي نقاش دار في العاصمة البريطانية في جلسات مغلقة لندوة حول اليمن ودول التعاون نظمتها الزميلة مجلة «المجلة» بالتعاون مع معهد الدراسات الاستراتيجية في لندن، بدا أن هناك شبه تفاهم بين كل المحللين والمتابعين المعنيين بالشأن اليمني، على أن أصل المشكلة في اليمن هو اقتصادي في الدرجة الأولى، وتتجسد في انخفاض مستوى المعيشة ونسب الفقر والبطالة المرتفعة، والبنية الأساسية الضعيفة. وهي عوامل تخلق البيئة المثالية لعدم الاستقرار والتطرف، والصراعات المحلية القبلية والمناطقية على الموارد الشحيحة.

وإذا كان لا خلاف على أن الحل على المستوى البعيد هو اقتصادي في الدرجة الأولى، فإن المعضلة هي أن الاقتصاد مرتبط بالسياسة. فلا تنمية أو استثمار من دون استقرار سياسي ودولة قوية يطمئن إليها المستثمرون ورجال الأعمال، ودرجة عالية من الشفافية في الأداء الحكومي سواء على صعيد التنفيذ، أو الفكر الاقتصادي. وتبدو المسألة في بعض الأحيان أشبه بمعضلة بمن سبق الآخر: البيضة أم الدجاجة، بمعنى، هل يبدأ الإصلاح بالسياسة، أم الاقتصاد، وهذا هو الخلاف الرئيسي بين المعارضة.

وفي الحالات الصعبة، أو الدول التي تواجه ظروفا استثنائية، يحتاج الأمر إلى أفكار وحلول خلاقة. وفي الحالة اليمنية، هناك حاجة للمزيج من السياسة والاقتصاد.. السياسة في تهدئة الوضع في الجنوب، والسعي لتلبية المطالب أو معالجة المظالم لنزع مبررات الذين يدعون إلى الانفصال، وفي الشمال إيجاد حل دائم لمنع حدوث تمرد جديد مثل الذي حدث في السنوات الماضية.

اقتصاديا، وهو الأصعب لأن النتائج لا تتحقق في يوم وليلة وتحتاج إلى صبر، هناك حاجة إلى التفكير فيما هو أبعد من مجرد تصدير العمالة إلى الخارج، واستغلال الميزات النسبية للبلد في تعظيم اقتصاده سواء من السياحة أو الاستفادة من شواطئه الطويلة والموقع الاستراتيجي في مناطق تجارة حرة وموانئ تربط العالم. وهناك حاجة لأن يكون المجتمع الدولي أكثر كرما في مساعداته، وأكثر إصرارا على الحصول من الحكومة هناك على برنامج واضح شفاف بالأهداف والسياسات والتنفيذ، كما يحدث في كل مناطق العالم.

قد يكون الكلام والتحليل سهلا بينما الواقع صعب ومليء بالتعقيدات، لكن هل هناك أي خيار آخر؟ ولا بد أن يسأل الجميع أنفسهم: هل يمكن للمنطقة والعالم تحمُّل دولة منهارة في اليمن على نمط الصومال مستقبلا؟