بن لادن والمعادن.. وقسمة أبي دلامة؟

TT

كنا ننتظر من الأميركيين في أفغانستان الإعلان، في أي لحظة، عن اكتشافهم لمكان زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، وبالتالي إلقاء القبض عليه، فذلك هو الهدف المعلن لغزو أفغانستان، إلا أن المفاجأة كانت أن أعلنت واشنطن عن اكتشاف مستودعات غير مستغلة من المعادن في أفغانستان تصل قيمتها إلى ما يقارب تريليون دولار، وهي أبعد ما تكون عن الاحتياطيات المعروفة، وكافية لإحداث تغيير جذري بالاقتصاد الأفغاني، وربما الحرب الأفغانية نفسها، بحسب التقديرات الأخيرة.

والطريف أن الأميركيين قد احتلوا العراق أيضاً بحثاً عن الأسلحة المحرمة التي قيل إن صدام حسين كان يخبئها، ومن أجل ترسيخ الديمقراطية في العراق، وبالتالي نشرها بالمنطقة. ولسوء الحظ - وعكس ما حدث في أفغانستان واكتشاف معادنها - فإن الأميركيين اكتشفوا لنا نوعية من بعض السياسيين المحرمين، على غرار الأسلحة المحرمة، وأخرجوا لنا مارد الطائفية من قمقمه، وما زالوا يصرون على موعد الانسحاب من العراق، والذي بات قريباً، بينما في أفغانستان، وبدلا من العثور على أسامة بن لادن، الهدف المعلن، فقد وجد الأميركيون - الأكثر حظا من الاتحاد السوفياتي السابق، وأفضل حظا ممن غُرر بهم تحت مسمى الجهاد - كنوزا ضخمة من الحديد والنحاس والكوبالت والذهب والمعادن الصناعية المهمة مثل الليثيوم، أي المعادن التي تعد ضرورية للصناعة الحديثة، مما قد يجعل أفغانستان أحد أهم مراكز التعدين في العالم.

وبحسب ما نشرته «نيويورك تايمز» الأميركية، نقلا عن مذكرة داخلية في البنتاغون، فإن أفغانستان قد تساوي «المملكة العربية السعودية في إنتاج الليثيوم»، وهو مادة خام أساسية في تصنيع البطاريات المستخدمة في أجهزة الكومبيوتر المحمولة وأجهزة هواتف «بلاك بيري» أيضاً.

والأطرف من كل ما سبق أن الأميركيين، الذين كانوا يسعون لخلق تحالف دولي مسلح معهم في حرب أفغانستان، باتوا يخشون اليوم من أن يأتي من ينافسهم ويقتطف ثمرة جهودهم، وأموالهم، ودمائهم، ويقوم بالسيطرة على تطوير الثروة المعدنية بأفغانستان، وبالتالي تخسر واشنطن كل ما قدمته من استثمارات ضخمة هناك. والدولة التي يحسب لها الأميركيون حسابا في ذلك هي الصين، وأبسط مثال على القلق الذي ينتاب واشنطن هو فوز الصينيين بصفقة عقد تطوير منجم آيناك للنحاس في إقليم لوغار الأفغاني.

لكن، وبعد اكتشاف الأميركيين لتلك الكنوز من المعادن بأفغانستان، وفي حال كانت المعلومات دقيقة، ومع إصرار واشنطن على الانسحاب من العراق في الوقت المحدد، وبالتالي ترك بغداد كما هي عليه اليوم، حيث باتت على طبق من ذهب للإيرانيين، فإن كل ما نخشاه أن تنطبق هنا طرفة أبو دلامة حين خرج المهدي العباسي وعلي بن سليمان إلى الصيد، فعرض لهما قطيع من الظباء، فأُرسلت الكلاب، وعُدَّت الخيل تطارد معها، فرمى المهدي سهماً فاصطاد ظبياً، ورمى علي بن سليمان فأصاب كلباً فقتله.. فقال أبو دلامة في ذلك:

قد رمى المهدي ظبياً شك بالسهم فؤاده

وعلي بن سليمان رمى كلباً فصاده

فهنيئاً لهما كل امرئ يأكل زاده!

[email protected]