طار.. طار.. افهم يا حمار

TT

منذ عرفت نفسي وعرفت الدنيا تقريبا وأنا من أخيب عباد الله في حل الألغاز، أو ما يسمى بالفوازير أو الحزازير أو بلهجة أهل نجد المتقعّرة: (الغطو).

كنت أشاهدهم وأسمعهم وهم يتحدون بعضهم البعض وأنا بينهم تماما مثل (الأطرش بالزفة)، وكنت أحسدهم على ذكائهم وألمعيتهم وسرعة بديهتهم، وكنت أقول بيني وبين نفسي: ليه يا ربي ماني مثلهم؟!، ومن يومها أدركت أنني ناقص فهم وإدراك، وأكبر دلالة على ذلك أنني إلى الآن ومنذ عهد طفولتي لم أعرف تلك (الطاسة الطرنطاسة التي هي بالبحر غطاسة).

والذي دعاني اليوم للكتابة عن هذا الموضوع (العلمي)، هو ما أحرجني جدا ووضعني في زاوية (اليك) الضيقة، وجعل كل من حولي يتهكمون علي وعلى فهمي المحدود، وهو ما طرحه بعضهم على شخصي من ألغاز.

واللغز الوحيد وبعد جهد جهيد الذي تفتقت عبقريتي المتخلفة أن تحله هو عندما طرحوا علي السؤال التالي: هل تستطيع أن تذكر لنا في خمس ثوان ثلاثة أرقام تعطي نفس المجموع إذا جمعت أو ضربت في بعضها البعض؟!

الواقع أنني وبدون فخر استطعت أن أحل هذه المعضلة، وللأمانة أنها لم تكن في خمس ثوان ولكنها كانت في خمس دقائق، المهم أنني حللتها، عندها لم أملك إلا أن أصرخ وأصفق لنفسي قائلا: إنها واحد، واثنان، وثلاثة.

ولكن حماري غلب جدا عندما سألوني قائلين: تعال يا شاطر، هناك يا مشعل خمس تفاحات في سلة واحدة، ونحن أمامك الآن خمسة أشخاص، فكيف تعطي لكل واحد منا تفاحة، وتبقي في السلة تفاحة، لو استطعت سوف نعطيك كل ما في جيوبنا من نقود.

عندها (تبلمت)، فتعالت ضحكاتهم وازداد كسوفي، وقهري على عدم الوصول إلى ما في جيوبهم.

ويا ليتهم اكتفوا بذلك، بل إن كبيرهم الذي علمهم الألغاز استعرض عضلاته الفكرية الخلاقة على شخصي الضعيف عندما قال لي: حرك عقلك قليلا واسمع يا ابن الناس ما أقوله لك.

إذا كان الحاضرون غيرنا يضمون عضوا من مجلس الشورى، وسمسارا، ومحاميا، وطبيبا، وكانت أسماؤهم دون ترتيب هي كالتالي: أحمد وصالح وسالم وسعد.

وكان أحمد والسمسار على علاقة غير طيبة مع سالم، ولكن صالح كان على أطيب علاقة مع الطبيب، وكان سالم قريبا للمحامي، وعضو مجلس الشورى صديقا حميما لسعد والطبيب.

فهل تستطيع ذكر اسم صاحب كل مهنة؟!

عندما انتهى من طرح سؤاله المفحم هذا علي، تخيلت بدون أية مبالغة أنه كـ(أنشتاين) يطرح علي تفسيرا لنظرية (النسبية)، طبعا ما هو بلمت فقط، ولكنني أخذت (أحوص وألوص) وأنا جالس في مكاني.

والذي رفع ضغطي أكثر هو عندما طرح علي أتفه الحاضرين وأثقلهم دما لغزا سخيفا مثله، وقال لهم وهم يتضاحكون: اسكتوا، اسكتوا بالله عليكم، دعوني أطرح عليه لغزا على (قد عقله) وقال لي: قطعة من النجار، وقطعة من الحداد، وقطعة من الجزار، طار طار افهم يا حمار؟!

فغرت فمي صامتا ومحتارا، لأنني فعلا لم أعرف.

فقال لي ثقيل الدم: افهم يا مشعل إنه (الطار)، وسألته بكل براءة وبلادة: وما هو الطار؟!، قال: إنه الطبل يا طبل، قلت له بعد أن فهمت: آه أنت تقصد (الدف)؟!، قال: أخيرا فتح الله عليك، باركوا له يا شباب، وبدلا من أن يباركوا لي، أخذوا يتضاحكون، وهذا هو ما معص قلبي.

[email protected]