وقالوا إنها ملهاة للشعوب!

TT

عمرها أكثر من 4500 سنة، اخترعها الصينيون، ونظمها الإنجليز، وطورها الفرنسيون، وروّضها البرازيليون، وأصبحت تعلو بأقوام، وتهبط بآخرين، ولولاها ما عرف الناس عن البرازيل سوى أنها بلد تنتج البن والسكر، نجومها خالدون في أذهان عشاقها، فمن لم يسمع ببوشكاش، وأزيبو، وبيليه، وباكنباور، ومارادونا، وزيدان؟ ومن لم يقدم جزءا من عمره في طفولته وصباه تقربا لهذه الساحرة، الآمرة، المطاعة؟

لها أعراسها وأعيادها ومهرجاناتها، التي تشد إليها رحال عشاقها، وهي لا تفرق في عدالتها بين الأجناس والأقوام والطوائف، الكل على بساطها الأخضر سواسية، هي لعبة كر وفر، وإقبال وإحجام، تلعب العقول فيها دور السلطة العليا، وتتولى الأقدام تنفيذ قراراتها.

حين تبتسم تجعل من ماسح الأحذية «بيليه» أشهر رجل على سطح الكرة الأرضية، وتصعد بالفقير المعدم مارادونا إلى عين الشمس، تطلب ودها الدول الكبرى والصغرى، حتى أميركا التي تعالت عليها سنوات طويلة - كرئيسة لمجلس إدارة العالم - أحست بالعزلة، فالتحقت بفصول محو أميتها لتنضم إلى ركب عشاقها.

قال عنها خصومها إنها وسيلة لإلهاء الشعوب، ونعتوا نظام احترافها بأنه عودة إلى عصور العبودية، وقوانين لعبها بأنها طبقية نخبوية لا تتسع لأكثر من 22 لاعبا، واعتبروها باعثة على الفرقة، وجالبة للحروب، واستشهدوا بما حدث بين السلفادور والهندوراس، غار بعض السياسيين من جماهيريتها ونجومية لاعبيها، فعمدوا إلى تعطيلها، ووضع العصي في دواليبها، ولم يتردد أحدهم عن وصفها بأنها لعبة رعاع تنتج الكثير من الشرور والآثام!

نفخ خصومها طويلا في القربة المثقوبة، قالوا عنها الكثير، رموها بنبال الكلام، أقاموا في وجهها الحواجز، ونثروا في طريقها الأشواك، ورغم ذلك انتصرت، وتعالت راياتها في كل الدنيا، فعشاقها يصمون آذانهم عن ذمها، ويفتحون نوافذ قلوبهم لمديحها، وهم يرون الحياة رتيبة مملة، بلا قلب أو مشاعر، إذا خلت من الكرة، وغاب عن إرجائها هتاف الجماهير وركض اللاعبين.

يصفها عالم نفسي بأنها أعظم اختراع بشري لتفادي الاكتئاب والشعور بالوحدة، ويقول: «إن الناس تعود من ملاعب الكرة أكثر بياضا، ولو خيّرت أن أكون مع خصوم الكرة أو عشاقها لاخترت أن أكون من بين مجانينها».

فلتعش هذه الكرة، الساحرة، الأثيرة، المثيرة، ودمتم من عشاقها.

[email protected]