المسألة لا تستوجب الحرب بعد

TT

أثار فضولي موقف أكثرية الردود من الذين أضافوا تعليقاتهم على مقالي الاثنين الماضي عن «الممر السعودي والضربة الإيرانية». فقد كانت بعضها ترى أنه ليس صعبا على دولة مثل السعودية مواجهة إيران عسكريا، وتساءل أحدهم لماذا الخوف من إيران؟ ولماذا السير دائما بجانب الحائط؟ وآخر كتب يذكرنا بأن صدام بقدراته المحدودة وقف في وجه الإيرانيين لأكثر من ثمانية أعوام، وثالث رفض مقولتي بأن السعودية لن تتورط في مواجهة مع دولة تكبرها ثلاث مرات سكانيا، مثل إيران، مشيرا إلى أن إسرائيل، الدولة القزم، أقوى من كل الدول العربية.

جدل مهم حول فرضية المواجهة غير المحتملة بين السعودية وإيران، الذي أثاره ادعاء صحيفة «التايمز» أن السعودية منحت ممرا جويا للمقاتلات الإسرائيلية عندما تنوي ضرب إيران. فقد اعتدت على أن أكثرية المعلقين تعترض على فكرة مقاتلة إيران، لكن الذي يلاحظ هذه المرة أنها تريد المواجهة. وبالطبع هنا نختلف لأن الدول دائما يجب ألا تخوض الحروب إلا عندما تكون مضطرة، دفاعا عن نفسها أو حماية مصالحها العليا التي لا مناص من حمايتها، ونحن فعليا لسنا في مرحلة الإحساس بالخطر حتى نندفع للمناداة بالقتال. والأمر الثاني أن لكل حرب ثمنا باهظا، ومن تخرج من الحرب سالمة، وربما منتصرة، فإن أضرارها أكبر من فرحة النصر في حينها. صحيح أن الرئيس العراقي صدام حسين لم يهزم في حربه مع إيران لكن العراقيين خسروا مئات الآلاف من أبنائهم، وخسرت البلاد الكثير من مواردها، والحال مماثلة في إيران التي استمرت ترفض الوسطاء وعروض المصالحة ست سنوات متتالية حتى أعلن آية الله الخميني قبوله بوقف إطلاق النار ومعترفا أنه قبول مثل تجرع كأس السم، أي رغما عنه. عمليا إيران والعراق خسرتا الحرب بأثمان مروعة.

الذي أريد التأكيد عليه أن الدعوة لمواجهة إيران تصبح مقبولة في ساعة الضرورة، دفاعا عن النفس، ما عدا ذلك لا يعقل أبدا أن تتورط دولة مثل السعودية أو غيرها بالسماح للإسرائيليين أو غيرهم باستخدام أجوائها أو أراضيها لشن حرب ضد دولة مثل إيران.

قرار مثل هذا يعني الانخراط في حرب نجهل جميعا كيف ستنتهي. وبالتأكيد مقاتلة إيران ذات السبع وسبعين مليون نسمة لن تكون رحلة سياحية، ولا أي حرب مهما بدأت صغيرة. وبالنسبة لدولة مثل السعودية أنفقت الكثير لبناء بنيتها الصناعية والبترولية والخدمية تعرف أنها ستخسر الكثير مما بنته لو دخلت في حرب مع جارتها إيران التي لم تبنِ شيئا ولا تملك إلا القليل من الإنجازات التي يمكن أن تقلق عليها. وهذا هو الفارق بين دول، مثل إيران، تنفق أموالها على العسكرة والحروب وتمويل الفوضى وبين دول بنت الكثير في الداخل ورفعت مستوياتها المحلية مثل دول الخليج التي تتحاشى دائما الدخول في المعارك الإقليمية.

أعرف أن كثيرين متحمسون لمشاهدة حرب مع إيران والإشاعة تنتشر بأن المعركة مع طهران باتت مسألة وقت حتمية، وسواء صدق ظنهم أم لا فإن دفع دول الخليج نحو المواجهة يخالف طبيعة سلوك هذه الدول ويجر إلى سلسلة معارك إقليمية لن تنتهي عند إيران.

أعتقد أن أكبر خطر يتهدد النظام الإيراني اليوم ليس من إسرائيل أو الولايات المتحدة بل في داخل إيران نفسها، حيث فشل في قمعها داخليا. الأزمة الإيرانية الداخلية هي التي ستغير المعادلة.

[email protected]