إسرائيل وتركيا.. «الأعدقاء»

TT

خلال الشهرين الماضيين سُئلت أكثر من مرة: لماذا حكومة حزب العدالة والتنمية التركية متحمسة إلى هذه الدرجة لتدهور العلاقات بين تركيا وإسرائيل؟ وأجد في هذه الأسئلة وفي طريقة التفكير هذه سذاجة وانحيازا. وردا على ذلك، أطرح سؤالا آخر أعتقد أنه يوضح الوضع الحالي بدرجة أكبر: ما الشكل المتصوَّر للعلاقات بين الدولتين لو كان هناك حزب سياسي آخر في سدة الحكم داخل تركيا؟

أعتقد أنه كان سيحدث تداع في العلاقات أيضا، على عكس شهر العسل بين الدولتين في التسعينات من القرن الماضي. وربما كان الاختلاف الوحيد هو في الأسلوب وفي نبرة الكلام. ويوجد الكثير من الأسباب التي تقف وراء ذلك. ولكن، اسمحوا لي بذكر ثلاثة منها فقط، أعتقد أنها جوهرية:

يرتبط السبب الأول بالأزمة المستشرية التي تلت الاحتلال الأميركي للعراق. وبصورة تقليدية تعتمد السياسة الخارجية التركية على ثلاث هويات أساسية، شكّلها مفهوم الشعب التركي عن الانتماء منذ العثمانيين: التركية والغربية والإسلامية. وبناء على طبيعة النظام الدولي، في أوقات مختلفة ربما تكون واحدة منها ضد الأخرى، ولكن نجاح أي حزب حاكم في مجال السياسة الخارجية خلال الحقبة الجمهورية يعتمد بدرجة كبيرة على التناغم بين هذه الهويات الثلاث.

وقد أظهرت التبعات السلبية للفوضى الأميركية داخل العراق الهوية الإسلامية لتركيا. ونُظر إلى احتمالية انقسام العراق إلى ثلاثة كيانات على أنه خطر وجودي يتهدد الأمن القومي التركي. وشعرت دول إسلامية مجاورة للعراق بالقلق أيضا، مما سهّل التضامن بين الدول الإسلامية وتركيا، ولا سيما الدول العربية بمنطقة الشرق الأوسط.

وفي الوقت نفسه، يوجد بُعْد شعبي لهذا التقارب. فلبعض الوقت، أصبح نهج السياسة الخارجية أكثر ديمقراطية من أي وقت مضى. وفي الوقت الحالي، لا يمكن للحكومات، ولا سيما داخل النظم الديمقراطية، رفض الرأي العام. وإذا فعلت ذلك، فثمة نتيجة لا يمكن تجنبها تتمثل في خسارة أصوات الناخبين. والهزائم الانتخابية الواسعة، التي مُنيت بها حكومات كانت جزءا من «تحالف» إدارة جورج دبليو بوش «الدولي» خلال عملية احتلال العراق، توضح هذا الأمر بدقة بالغة.

ولا يقف الشعب التركي بمعزل عن هذه التطورات. وترجع نقطة التحول في صورة إسرائيل داخل تركيا إلى مشهد الجنود الإسرائيليين وهم يكسرون ذراع فلسطيني بالصخر. ومنذ ذلك الحين، زاد الأثر السلبي لاستخدام القوة بصورة «غير مناسبة» من جانب الجنود الإسرائيليين ضد الفلسطينيين، وسط الشعب التركي. وكان مقتل المواطنين الأتراك خلال أزمة أسطول المساعدات بمثابة الضربة الأخيرة في هذا الصدد. وتصادف ذلك مع شعور الشعب التركي بالعزلة عن الغرب، إثر نفاق دول أوروبية محددة في وقت دعم فيه الأتراك بقوة سعي تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وأفسح ذلك المجال أمام التعاون بين تركيا وباقي العالم الإسلامي، وبالنتيجة كان رد الفعل الشعبي الواسع ضد إسرائيل.

ويرتبط السبب الثالث بالتغير في الاحتياجات الأمنية المهمة، ففي التسعينات جمعت بين البلدين الحاجة إلى احتواء سورية وإيران. وعلى ضوء دعمهما لحزب العمال الكردستاني، نظرت الدولة التركية إلى هاتين الدولتين على أنهما تهديد أساسي للأمن القومي. ونتذكر جيدا أن أنقرة ودمشق كانتا على شفير الحرب قبل إجبار عبد الله أوجلان على مغادرة سورية.

ولكن، تدفق الكثير من المياه تحت الجسر منذ ذلك الحين. وفي الوقت الحالي يوجد تفاهم مشترك كامل فيما يتعلق بالقضية الكردية بين تركيا، من جانب، وإيران وسورية، على الجانب الآخر. وتقوم الدول الثلاث بعمليات عسكرية مشتركة.

وعلى النقيض، فإنه فيما يتعلق بالمسألة الكردية أو مستقبل العراق يتبدى خلاف كبير في الوسائل بين إسرائيل وتركيا. وتعود المصلحة الإسرائيلية في الأكراد العراقيين إلى الستينات من القرن الماضي، وقد وُثّقت هذه المصلحة بصورة جيدة في كتاب لشلومو ناكديمون يحمل عنوان «أمل لم يتحقق». وفي العقد الأول من القرن الحالي، بدا أن هذا الاهتمام عاد من جديد. ولا يمكن إنكار أن الدولة الكردية داخل المنطقة تبدو في الوقت الحالي شيئا تفضله إسرائيل اعتمادا على وضع موقفها الأمني، بينما المؤسسة التركية ترى ذلك يمثل تهديدا وجوديا. وفي هذه الصدد تشير التقارير الاستخباراتية التركية إلى اتصال متنام بين إسرائيليين «متقاعدين» وحزب العمال الكردستاني، مما يعزز انفصال المؤسسة التركية عن إسرائيل بدرجة أكبر.

وعلى ضوء ذلك، كان الانفصال النهائي أمرا حتميا. وأعتقد أنه يجب على الزعماء السياسيين داخل كلتا الدولتين الوصول إلى وسيلة للتعايش كـ«أعدقاء» لأن أي ضرر يلحق بالعلاقات سيؤثر على الحياة السياسية لكلا الطرفين.

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية

http://www.hurriyetdailynews.com/n.php?n=israel-and-turkey-8220friendemies8221-2010-06-13