الصواب والتأثير في السياسة الخارجية

TT

لا تزال إحدى المعضلات التقليدية في السياسة.. فأنت كسياسي، هل تريد أن تكون على صواب، فقط، أم مؤثرا أيضا. وقد نشأت كسياسي خلال عقدي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي أعتنق عرفا سياسيا يرى أن صواب المعتقد أكثر أهمية من كوني مؤثرا. وكان هدفنا كيساريين راديكاليين هو إظهار الحقيقة بشأن الآثار المدمرة للرأسمالية ولا أخلاقية الردع النووي. لم نكترث خلال هذه الفترة بتبني استراتيجية لتحويل معتقداتنا إلى نتائج ملموسة. كان ذلك أمرا تركناه للسياسيين الآثمين من الأحزاب الأخرى الذين بذلوا المزيد من الجهد في محاولة لجعل العالم مكانا أفضل، حتى وإن كان ذلك يعني تأخير غالبية مطالبهم والمساومة على بعض معتقداتهم الأساسية.

ولا يزال الأمر مثار خلاف جوهري بين الأكاديميين وكتاب الرأي من جهة، والسياسيين - خاصة مسؤولي الحكومات - من جهة أخرى. فعندما تكون مهمتك الرئيسية هي التحليل واستخلاص النتائج، لن تضطر إلى تحمل مسؤولية نتائج آرائك. لكن أن تكون سياسيا ينشد التغيير ينبغي عليك التفكير في العواقب قبل الشروع في تنفيذ ما ترغب.

وخلال الأسبوعين الماضيين، يبدو أن الكثير من السياسيين الأتراك البارزين تناسوا هذا الفارق الجوهري. ماذا أعني بذلك؟ أعني أنه في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على «أسطول الحرية» المتجه إلى غزة أدرك العالم أن السلطات التركية غاضبة وانتقدوا حكومة نتنياهو. كانت الهجمة على سفينة «مافي مرمرة» غير قانونية خرجت عن السيطرة. ومن الصائب جدا المطالبة بالاعتذار وإعادة النظر في العلاقات الثنائية التركية الإسرائيلية.

لكن تأتي لحظات معينة يضطر فيها السياسيون إلى تجاوز غضبهم والتفكير بنوع من العقلانية بشأن ما يرغبون في تحقيقه. فهل يرغبون في قطع علاقاتهم مع دولة إسرائيل، وهي استراتيجية ستتناقض كلية مع السياسة الخارجية الرسمية للحكومة الحالية التي تتوق إلى تعزيز قوتها الناعمة في المنطقة لحل المشكلات الدائمة، ومن بينها النزاع الإسرائيلي الفلسطيني؟ أم هل ينبغي أن يكون هدف الدولة التركية إنهاء الحصار الإسرائيلي وفتح الطريق إلى غزة؟

يزعم ساسة حزب العدالة والتنمية أنهم يدعمون الخيار الأخير، لكن خطاباتهم التحريضية المتواصلة وعدم رغبتهم / عدم قدرتهم على خلق ضغوط فاعلة على إسرائيل غير نافعة على الإطلاق. ولرفع الحصار عن غزة، ينبغي على الحكومة التركية أن تشارك في جهود محسوبة، من خلف الكواليس، لتأجيج الرغبة التي لا تزال منتشرة في العالم أجمع، حتى في واشنطن ذاتها، لإنهاء عزلة غزة، وأن يستبدل الغضب الشعبي بدبلوماسية خلاقة.

وينطبق الأمر، بصورة أساسية، على جهود المجتمع الدولي لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية. وقد أدرك العديد من المراقبين السر وراء شعور تركيا بالخديعة من قبل الولايات المتحدة بعد أن تمكنت أنقرة وإلى جوارها البرازيل من عقد اتفاق مع طهران يقترب كثيرا من الشروط التي دأبت الولايات المتحدة على المطالبة بها. وأعتقد، بصورة شخصية، أن الامتناع عن التصويت كان أكثر ذكاء، لكن رفض تركيا العقوبات الجديدة اعتبر إشارة إلى الثقة في النفس وتحول الأنماط العالمية. والتصرف بصورة عدائية لن يؤتي سوى نتائج عكسية، فإذا كان الهدف هو السيطرة بفاعلية على البرنامج النووي ينبغي على تركيا التحرك واستخدام الاعتراف الدولي بموقفها المتميز للخروج بخطط جديدة.

أن تكون صائبا، شيء جيد، على الأقل لبعض الوقت، لكن الفاعلية أمر أكثر صعوبة. لكن ذلك هو السبب وراء وجود السياسيين في السلطة. لقد استغرق الأمر مني عقدين كي أفهم. لكن دعونا نأمل في أن تتمكن الحكومة التركية من فهم هذه الحقيقة المقلقة في بعض الأحيان.

* بالاتفاق مع صحيفة

«حرييت ديلي نيوز» التركية

http://www.hurriyetdailynews.com/n.php?n=being-right-and-being-effective-2010-06-13