الفصل بين السياسة والدولة

TT

أحرز الرئيس الأميركي باراك أوباما بعض التقدم في الإصلاحات المتعلقة بقواعد أخلاقيات الحكومة بفرض قيود جديدة على كل من ينضم إلى إدارته من القطاع الخاص، وانتقل إلى استبعاد أعضاء جماعات الضغط من عضوية المجالس واللجان الرئاسية، واقترح تشريعا قد يقلل من تأثير إنفاق الشركات على الحملات الانتخابية للانتخابات الفيدرالية.

ومن المؤسف أن العاملين في البيت الأبيض لا يزالون منغمسين بعمق في السياسة الحزبية، كما تجلى من عرض الإدارة وظيفة رئاسية لمحاولة إثناء عضو مجلس النواب جو سيستاك عن خوض الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية بنسلفانيا ضد السيناتور آرلين سبكتر. وكانت هناك مناقشات مماثلة مع أندرو رومانوف، الرئيس السابق لمجلس النواب في كولورادو، الذي يتحدى السيناتور مايكل بينيت.

وعلى الرغم مما قد يدعيه بعض الجمهوريين، فإن مثل هذه المناورات السياسية غير شرعية. وفي الحقيقة، هذا الشيء كان نشاطا معتادا في الإدارات الرئاسية لفترة طويلة للغاية. ومع ذلك، ينبغي أن تحضنا هذه الحوادث الأخيرة على إعادة التفكير فيما إذا كان العمل الحزبي العلني له مكان شرعي في البيت الأبيض أم لا، وإذا كان، فمن ينبغي أن يقوم به.

ويحكم مشاركة الموظفين الفيدراليين في النشاط الحزبي السياسي قانون هاتش لعام 1939، الذي دخل حيز التنفيذ عقب الاتهامات بأن رؤساء الأحزاب كانوا يستغلون برامج «الصفقة الجديدة» للتأثير على انتخابات الكونغرس. ويحظر هذا القانون على المسؤولين في الحكومة المشاركة في النشاط السياسي باستغلال ألقابهم، أو على نفقة الحكومة أو أثناء وجودهم في الخدمة. كما يحظر عليهم استخدام صفتهم الرسمية في التأثير على أي انتخابات.

ومع ذلك، يحتوي قانون هاتش على عدد قليل من الاستثناءات الكبرى، حيث يجوز للرئيس ونائبه والمعينين لمناصب سياسية، بما في ذلك أعضاء الحكومة والكثير من كبار العاملين في البيت الأبيض، بموجب هذا القانون، الجمع بين الوظيفة الحكومية والعمل السياسي في الوقت نفسه، شريطة التمييز بين الاثنين.

وعلى سبيل المثال، يستخدم المسؤولون في البيت الأبيض عادة أجهزة هواتف جوالة وأجهزة «بلاك بيري» وأجهزة كومبيوتر محمولة منفصلة لأنشطتهم الحزبية. وبهذه الطريقة، فإن الاتصالات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني المتعلقة بالأنشطة السياسية التي يقوم بها مسؤولون في البيت الأبيض لا تأتي بصورة قانونية من البيت الأبيض على الإطلاق. بل إنها اتصالات تتم «بصفة شخصية» من أناس تصادف أنهم ضمن طاقم العاملين في البيت الأبيض، بما في ذلك رئيس طاقم العاملين رام إيمانويل ونائبه، في الإدارة الحالية.

وهذا ليس التمييز القانوني الوحيد في قانون هاتش بأساس ضئيل في الواقع. تسمح النظم أيضا للموظفين في الحكومة بالتحدث في المناسبات الحزبية لجمع الأموال، شريطة ألا يطلبوا الأموال صراحة.

وبذلك يقضي الموظفون في مكتب الشؤون السياسية بالبيت الأبيض، الذي أقيم في ظل إدارة رونالد ريغان لتقديم الاستشارات بشأن الجدوى السياسية لسياسات الإدارة، جزءا كبيرا من «أوقاتهم الشخصية» في العمل لصالح الحزب السياسي للرئيس.

وهذه الفروق بين العمل الرسمي والعمل السياسي الشخصي لا معنى لها. عندما يرسل أعضاء طاقم العاملين في البيت الأبيض رسالة، يعرف الجميع أين يعملون. وعندما يتحدثون في لقاءات انتخابية، يعرف الجميع من يكونون. ووصف النشاط السياسي الحزبي من جانب طاقم العاملين في البيت الأبيض بأنه «شخصي» وليس «رسميا» حيلة قانونية.

كما أنه لا توجد طريقة لمعرفة الوقت الذي تم صرفه في السياسة بدلا من الواجبات الرسمية، نظرا إلى أن سجلات الوقت لكبار الموظفين السياسيين غير مطلوبة. فعلى سبيل المثال، لا يتوافر الكثير من المعلومات حول عدد الرحلات التي يقوم بها طاقم العاملين في مكتب الشؤون السياسية ومن ينفق عليها.

ثم إن هناك تضارب المصالح الذي ينشأ حتما وبصورة متكررة. فالاقتراحات التي يتقدم بها المرشحون والمساهمون والعاملون في السياسة إلى العاملين في الحكومة من الممكن أن تؤثر بسهولة على سياسة البيت الأبيض، سواء كان الأمر متعلقا بمخاوف سياسية بشأن المحامي العام الأميركي أو أحد المرشحين لمجلس الشيوخ. لكن ما هو أفضل بالنسبة إلى أي حزب سياسي لا يعكس في الغالب ما هو أفضل بالنسبة إلى الدولة. وما هو أفضل بالنسبة إلى الدولة ينبغي أن يكون الأولوية الأولى للموظفين الفيدراليين.

ينبغي للكونغرس تعديل قانون هاتش، أو ينبغي للرئيس إصدار أمر تنفيذي، لمنع جميع العاملين في البيت الأبيض من المشاركة في الأنشطة الحزبية السياسية بأي صفة أثناء الفترة القصيرة نسبيا التي يقضونها في العمل بالحكومة (يفرض هذا القانون بالفعل قيودا مشابهة على الموظفين الفيدراليين في المخابرات وبعض مواقع تنفيذ القانون).

وينبغي أن يستمر السماح للرئيس ونائبه، وهما المسؤولان المنتخبان الوحيدان في السلطة التنفيذية، بالمشاركة في السياسة الحزبية أثناء وجودهما في منصبيهما. بيد أنه في واجباتهم الحزبية، لا ينبغي تأييدهم إلا من جانب طاقم العاملين في الأحزاب السياسية التي ينتمون إليها، وليس من جانب طاقم العاملين في البيت الأبيض.

وقد يستمر وقوع أحداث مثل خلافات الانتخابات التمهيدية في بنسلفانيا وكولورادو حتى إذا تم منع طاقم العاملين في البيت الأبيض من المشاركة في الحياة السياسية داخل الأحزاب، لكنها ستحدث في الغالب بصورة أقل. وسيكون توسيع قانون هاتش بمثابة تغير في التمسك بإصلاح قواعد الأخلاقيات الذي وعدت به إدارة أوباما الشعب الأميركي.

* أستاذ القانون في جامعة مينيسوتا، والمحامي الرئيسي السابق لآداب العمل في البيت الأبيض من 2005 حتى 2007.

* خدمة «نيويورك تايمز»