أوزبكستان تمنع روسيا من إعادة سيطرتها على آسيا الوسطى

TT

سقط الكثير من الأبرياء قتلى، وجرح المئات، ونزح أكثر من 80 ألفا باتجاه أوزبكستان التي اضطرت إلى إغلاق حدودها لأنها لم تعد تستوعب، ولاحظ ممثلو الصليب الأحمر الدولي أن المهاجمين ركزوا على قتل أطفال النازحين من «أوش» المدينة القيرغيزية حيث اشتعل العنف يوم الخميس الماضي. العمليات الأخيرة كانت لنسف مصداقية الحكومة الانتقالية في قيرغيزستان قبل الاستفتاء، وقد نجح المحرضون في ذلك، لكن الثمن سيكون أكبر من تصورهم.

عاش الأوزبك والقيرغيز معا في وادي «فيرغانا» الممتد في ثلاث دول، قيرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان، لعدة قرون، كل عائلة لديها أقرباء من الطرفين، الشعبان يتكلمان اللغة التركية ويدينان بالإسلام.

تاريخيا جمعهما عامل اقتصادي، فالقيرغيز، يربون الماشية، والأوزبك يفلحون الأراضي ويسيطرون على التجارة المحلية.

خلال الزمن السوفياتي تعطل هذا النوع من الحياة، وقسّم جوزيف ستالين بشطحة قلم على الخريطة وادي «فيرغانا» بين ثلاث دول جديدة أوجدها آنذاك وهي: قيرغيزستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان، مع مجموعات من الأقليات في كل دولة. أكثر من 800 ألف أوزبكي يعيشون في جنوب قيرغيزستان والعدد نفسه من القيرغيز يعيش في الجزء الأوزبكي.

الوادي فيه كثافة سكانية ضاغطة على الأرض، والموارد والوظائف. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي صارت مدينة «أوش» مركزا لتهريب المخدرات من أفغانستان، ولتدفق البضائع المهربة من غرب الصين، وهذا أوجد أرضا خصبة للجريمة المنظمة وشجع على الفساد. وكان الأوزبك يديرون عمليات تهريب المخدرات بإشراف مسؤولين سياسيين كبار من القيرغيز.

ثورة شهر نيسان (أبريل) الماضي التي أطاحت بالرئيس كرمان بك باقييف أخلت بالوضع، وأوجدت فراغا في السلطة في جنوب قيرغيزستان ويحاول سياسيون وتجار مخدرات استغلال التوتر العرقي لأهداف خاصة، وقد لا يكون هذا هو السبب الوحيد لانفجار العنف، إنما سبب أساسي لتغذية الكراهية.

و«أوش» مقر الرئيس المعزول باقييف، والمظاهرات التي كانت أوصلته إلى السلطة قبل خمس سنوات انطلقت من «أوش» و«جلال آباد». والناس في «أوش»، يتحدثون عن مكالمة هاتفية مسجلة أخيرا، انتشرت عبر الإنترنت بين شقيق باقييف وابنه يتحدثان عن احتمال التحريض في الجنوب، لا سيما التحريض العرقي، خصوصا أن أوزبكستان دعمت الحكومة الانتقالية التي أطاحت بباقييف، وهذا أدى أيضا إلى أعمال عدائية متفرقة ضد الأوزبك من قبل القيرغيز. وكرد على هذا نشرت حكومة أوزبكستان قوات على طول حدودها مع قيرغيزستان منذ شهر نيسان (أبريل) وخصوصا قرب المناطق حيث يعيش الأوزبك.

التخوف أن تنتج هذه المشكلات أصولية إسلامية، وهناك عدة دوافع لذلك. بعض الناس خصوصا لدى الأوزبك في قيرغيزستان مهتمون بالإسلاميين لخيبتهم مما يحدث في العاصمة بشكيك. يعتقدون أن ما كان يجب أن يكون تجربة ديمقراطية في قيرغيزستان تحول إلى تركيز كل القوى في العاصمة، وأهمل المزارعين الفقراء في «أوش».

قيرغيزستان على الحدود مع أوزبكستان وهذه على الحدود مع أفغانستان، ولدى روسيا وأميركا مصالح هناك، يوجد للدولتين قاعدتان عسكريتان، وهناك قلق من أن اللااستقرار في أفغانستان يمكن أن يدفع أكثر إلى انتشار الأصولية.

الأوزبك أكثر التزاما دينيا من القيرغيز، لهذا فإن التوتر عرقي وديني. البعض في قيرغيزستان يشيرون إلى أن سبب التوتر يعود إلى نشاط «حزب التحرير». في وادي «فيرغانا» ينشط «حزب التحرير» الذي يستغل الحرب في أفغانستان. أعضاؤه يوزعون المنشورات والأقراص المدمجة (سي دي)، إنما لم يصلوا بعد إلى توزيع السلاح أو المتفجرات. ونقل عن إمام مسجد «أوش»، أن المشكلة تتزايد وتنمو، وإذا كانت الأصولية والتطرف ينموان في باكستان وأفغانستان فإنهما في قيرغيزستان ليسا بتلك الخطورة بعد.

«حزب التحرير» ممنوع رسميا، ويواجه المنتمون إليه عقوبة السجن إذا جاهروا بانتمائهم، لكنهم ينشطون في أوش. يرى الحزب أنه إذا لجأت الحكومة إلى مطاردتهم باستعمال القوة فإنها ستخسر لأن ليس عندها أيديولوجية لمواجهتهم. ويرى أن كل المسلمين جزء من الأمة الإسلامية، وبالتالي فإن أفغانستان ليست مشكلة خارجية إنما مشكلة إخوة، لكنه يرى أنه قادر على مساعدة الأفغان على الصعيد السياسي فقط، ولا يفكر أتباعه بالسفر إلى أفغانستان للقتال، لأنها حرب الأفغان في الدفاع عن أنفسهم، ويقول: «عندما سنحصل على دولتنا الإسلامية، فإن سياستنا الخارجية ستقوم على قتال أميركا، وبريطانيا، وروسيا، والصين وإسرائيل، يبقى أن هدفنا السياسي الوصول إلى إقامة دولة إسلامية».

من جهتهم يهتم الأميركيون بالوضع في وادي «فيرغانا». وفي اتصال مع السفيرة الأميركية في قيرغيزستان تاتيانا غافيلا أكدت على هذا الاهتمام وقالت: «إذا فقدت الحكومة الانتقالية السيطرة على الجنوب، فإن مجموعات مثل حزب التحرير وأحزاب أخرى قد تستغل الفرصة للتسلل إلى الجنوب. وتضيف: «في أوزبكستان حكومة قوية تواجه بقوة المتطرفين الإسلاميين، ما يقلق في الأمر هنا، ولأن الطبيعة تولد فراغا، فإذا عم اللااستقرار قيرغيزستان فإن الكثير من المتطرفين يتطلعون إلى مكان سهل للاختباء فيه، وبالتالي سيجدون جنوب قيرغيزستان مناسبا لهم».

لكن، من جهة أخرى، يلوم البعض الأوزبك على ما حصل من عنف مؤخرا، إذ وأثناء محاولة الحكومة الانتقالية السيطرة على الفوضى، قام الأوزبك في «أوش» بمظاهرات ضمت نحو 7 آلاف، مطالبين بحقوق متساوية بالقيرغيز، وأن يتضمن الدستور الجديد اللغة الأزبكية كلغة رسمية ثانية، وقد أثار هذا المحليين لأنهم رأوا في ذلك محاولة استغلال ضيقة في حين أن البلاد في حالة صعبة.

تلفزيون «أوش» بث لعدة مرات لقطات من هذه المظاهرة، واضطرت الحكومة الانتقالية لتخفيف الاحتقان إلى مصادرة الأفلام وإغلاق المحطة التلفزيونية في «أوش». لكن الشرارة انطلقت ولجأت الحكومة إلى الطلب من روسيا إرسال قواتها للمساعدة في إخماد العنف.

يحق لروسيا إرسال قوات إلى قيرغيزستان في ظل منظمة معاهدة الأمن الجماعي التي تسيطر عليها، لكن الحكومة القيرغيزية لم تطلب قوات حفظ السلام من الدول المشاركة في هذه المنظمة إنما حددت: قوات روسية فقط.

احتمال إرسال قوات روسية لم يلق ترحيبا من أوزبكستان التي لمحت إلى أنها ستعتبر نشر قوات روسية من خارج المنظمة المذكورة مقدمة لمحاولة عسكرية ابعد باتجاه أوزبكستان.

وحسب ما قال لي مسؤول غربي، فإنه منذ الإطاحة بحكم باقييف وأوزبكستان متخوفة من أن تكون هي الهدف الروسي الثاني. لذلك، فإنها ستعتبر نشر قوات روسية جنوب قيرغيزستان الخطوة الأولى باتجاه الهدف الروسي. وهي، بدأت بسحب عدد من قواتها التي نشرتها على الحدود مع قيرغيزستان.

روسيا من جهتها، مترددة في التورط في المستنقع القيرغيزي، ثم إنها لا تريد التسبب في أزمة إقليمية أكبر بينها وبين أوزبكستان.

حسب المصدر الغربي، فان ما جرى مناقشته في موسكو ليل الاثنين الماضي هو إرسال قوات حفظ سلام من كازاخستان تحت مظلة «منظمة معاهدة الأمن الجماعي». لكن أغلبية هذه القوات من أصول روسية، إنما مواطنيتهم ككازاخستانيين وسيلة من موسكو للالتفاف على قلق أوزبكستان من القوات الروسية. وتقليديا تتجنب أوزبكستان أي مشاحنات مع كازاخستان رغم معرفتها بولاء الأخيرة لروسيا. التخوف الآن، من أن تتحول أزمة «أوش» من أزمة قيرغيزية داخلية، إلى مواجهة بين أوزبكستان وروسيا.

في السنة الفائتة أثبتت روسيا أنها في طريقها إلى تثبيت سيطرتها على آسيا الوسطى، وقد تكون أوزبكستان العقدة الأصعب لإكمال هذه السيطرة. أيضا، قد يشد الوضع المتوتر في جنوب قيرغيزستان تركيا إلى التدخل، لأن الشعبين الأوزبكي والقيرغيزي يستعملون لغة تركية للتفاهم فيما بينهم!