ابن بطوطة والقلقشندي مرا من هنا!

TT

قفزت مدينة القُصير المصرية إلى قمة الأخبار الأثرية.. عندما قام المجلس الأعلى للآثار بالإعلان عن العثور على عملة ذهبية رائعة ترجع إلى العصر الأموي كشفت عنها البعثة الأميركية لجامعة بيل أثناء أعمال البحث الأثري في دير الأنبا يحنس بالقُصير، وتزن هذه العملة 1.42 غرام، وهي من فئة الثلث دينار وترجع تحديدا إلى 725 ميلاديا وعلى إطار وجه العملة نقرأ «ضرب هذا الدينار سنة ثلاث ومائة» وعلى الظهر نقرأ «لا إله إلا الله محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق..». ويرأس البعثة الأميركية العالم الأثري ستيفن دافيز الذي قدم إليّ تقريرا عن الحفائر التي تقوم بها البعثة في هذا المكان المهم، والذي كان طريقا تجاريا مهما يربط بين مدن وادي النيل والبحر الأحمر وموانيه سواء الشرقية أو الغربية.

وتعتبر مدينة القُصير واحدة من أهم المدن المصرية التي نهضت خلال العصر الإسلامي.. وهى تتفرد بأنها لا تزال محتفظة بكثير من أصالتها، وتقع على ساحل البحر الأحمر بين سفاجا ومرسى علم، وكانت تمثل منذ أقدم العثور نهاية درب القوافل الذي يربط النيل بالبحر الأحمر. وسميت بالقُصير خلال العصر الإسلامي تصغير لكلمة «القصر» أو «الحصن» نظرا لموقع المدينة الرابضة في موقعها وكأنها حصن، وكانت تُعتبر من الثغور المصرية القديمة..

والمدينة الإسلامية قامت في موقع مدينة بطلمية قديمة تسمى «ليكوس ليمن»، وقد تم العثور في أطلال مدينة القُصير والتي لا تزال أعمال الحفائر بها في مهدها على الكثير من الوثائق المكتوبة والنقوش المحفورة منها ما هو بالخط النبطي، بل والكتابة الهندية نظرا لوجود جالية هندية بها ترجع إلى زمن الإمبراطورية الرومانية خلال القرنين الأول والثاني بعد الميلاد.

وكان يحمي طريق القوافل الموصل من قفط على نهر النيل وحتى القُصير على البحر الأحمر اثنا عشر حصنا رومانيا، عملت كمحطات لتزويد القوافل المارة بالمياه والطعام وحماية هذه القوافل في طريق يصل طوله إلى 180 كيلومترا..

وبالقرب من القُصير وفي منطقة وادي جاسوس عثرنا على نقوش فرعونية تؤكد خروج البعثات المصرية القديمة إلى بلاد بونت في أيام الملكة العظيمة «حتشبسوت» لإحضار أشجار البخور وجلود الحيوانات والحيوانات الأفريقية، إلا أن أغلى ما أحضرته هذه البعثات معها هو الزيوت العطرية والبخور الذي كان الفراعنة يستخدمونه ليس في منازلهم فقط وإنما في طقوسهم الدينية داخل المعابد، وكذلك في أعمال التحنيط وإعداد جسد المتوفى في رحلته إلى العالم الآخر.

وفي العصر الإسلامي ظلت القُصير محطة تجارية مهمة ذكرها معظم الرحالة العرب مثل ابن بطوطة والقلقشندي وغيرهما، وكذلك استخدمها الحجيج في طريقهم إلى جدة..

وأهم آثار القُصير القلعة التي لا يعرف بالضبط تاريخ إنشائها وإنما المعروف أن السلطان الغوري اهتم بعمارتها وقام بتجديدها.. وقد أدخلت عليها تعديلات خلال العصر العثماني ثم قام جنود الحملة الفرنسية بإدخال تعديلات وتحصينات على عمارتها واستخدموها أثناء وجود نابليون في مصر.

ولعل أجمل ما تمتاز به مدينة القُصير هو هواؤها الطيب طوال العام وشواطئها الساحرة التي لم يكتشفها أحد بعد.. وهي مدينة مثالية لمن يطلب الراحة والاستشفاء في بلدنا وليس في بلاد الفرنجة!