هل سمعتم بحكاية خالد سعيد

TT

المرة الأولى التي اطلعت فيها على مأساة الشاب المصري خالد سعيد لم تكن عبر القنوات الإخبارية ولا عبر الإذاعات ولا حتى الصحف، فوسائل الإعلام التقليدية، خصوصا الرسمية، رفضت أو منعت من نشر تفاصيل هذه القضية.

مأساة هذا الشاب العشريني الذي ضرب بعنف حتى الموت وصلتني على صفحات «الفيس بوك» وعبر مدونات عدة لناشطين مصريين وتجمعات إلكترونية غاضبة لشبان وشابات فاق عدد المنضوين فيها عشرات الآلاف. التفاصيل الرسمية المقتضبة لحكاية خالد تروي أن الشاب قتل جراء ابتلاع لفافة من الحشيش، وأنه سبق ضبطه في قضايا سرقة وأمور أخلاقية. طبعا البيان الرسمي هذا صدر فور الضجة التي أعقبت اكتشاف مقتل خالد سعيد، وانتشار صور الكدمات التي طغت على سحنته.

طواف سريع عبر المدونات والإنترنت يعطي تفاصيل مغايرة تماما للقضية، لكن هذه التفاصيل محبوكة ومدعمة بوثائق وصور ومقابلات، بنقرة سريعة يمكن مشاهدة الفيلم الذي كان خالد ينوي أن يبثه على مدونته ويظهر فيها عناصر شرطة وضباط يقتسمون كميات من المخدرات والأموال المصادرة. بنقرة أخرى يمكن رؤية عشرات الصور للشاب الضحية باديا على ملامحه كمّ التعذيب والضرب الذي تعرض له وتقرير الطبيب الشرعي شارحا للكسور والرضوض التي تعرض لها.. في المواقع والمدونات نفسها يمكن مشاهدة مقابلة مع صاحب المقهى الذي ألقي فيه القبض على خالد من قبل عناصر الأمن، وفيها يروي الرجل وقائع عن القسوة والضرب الذي مورس بحق خالد سعيد.

الرواية الرسمية لهذه القضية التي أثارت الشارع السكندري والمصري بدت مفككة وفيها الكثير من الثغرات. لم يكن ممكنا لتبريرات من نوع ما ذكر من ادعاءات إدمان خالد سعيد وانحرافات مزعومة في مسلكه أن تصمد أمام سيل الصور والفيديو والمعلومات التي شرّعت المدونات وموقع إلكترونية ساحتها لها. ذاك الحراك والتواصل الإلكتروني أفضى لقيام مظاهرة غاضبة في الإسكندرية حيث قتل خالد سعيد، وأفضى إلى تحويل محنة تعذيب وقتل الشاب إلى قضية رأي عام، ما أجبر السلطات المصرية على إعادة سحب جثة الشاب وتشريحها والتحقيق في الأمر من جديد.

لا شك أن الناشطين المصريين خصوصا الإلكترونيين منهم يخوضون معركة جديدة بإعلان تحويل قضية خالد سعيد إلى قضية رأي عام تهدف إلى وقف الانتهاكات التي يتعرض لها مواطنون كثر. صحيح أن تاريخ هؤلاء المدونين هو تاريخ غض نسبيا لكنه حافل أيضا. لقد سبق أن خيضت معارك ناجحة أهمها صور عنف بعض الشرطة ضد المواطنين، التي أفضت إلى محاكمات وإدانات لمتورطين. وهنا مرة جديدة يبرز الإعلام الجديد بصفته صاحب قدرة على التفلت من صيغ الرقابة التقليدية، كما أنه يبرز بصفته إدانة لوسائل الإعلام التقليدية، إذ إن هذه الأخيرة ما زالت تحت عين الرقيب، وهذا الأخير أنتج لضبطها آليات في حين يبدو اليوم عاجزا عن اللحاق بالإعلام الحديث الإلكتروني.

diana@ asharqalawsat.com