لو أن المطلب كان قوات دولية في الضفة!!

TT

وقَع العرب أو أوقعوا أنفسهم في الفخ فالمفترض أن ما فعلته إسرائيل بـ«أسطول الحرية» واستهداف سفينة «مرمرة» التركية تحديدا يُستخدم استخداما مجديا وصحيحا بالذهاب إلى مجلس الأمن الدولي ودفعه، تحت وهج هذه الجريمة التي ارتكبها الإسرائيليون في وضح النهار متحديا العالم كله، إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وفقا لحل الدولتين الذي غدا مطلبا ملحّا لكل دول الكرة الأرضية، أو على الأقل بتحديد مرجعية المفاوضات بشقيها غير المباشر ثم المباشر على أنها حدود الرابع من يونيو (حزيران) عام 1967.

لكن هذا لم يحصل بل ولم تجرِ أي محاولة بالنسبة إليه ولو من قبيل جسّ النبض و«التمرين السياسي». وهكذا فقد ضاعت فرصة مهمة، إن لم يكن لتحقيق هذا المطلب، الذي لو تحقق لكان تحولا تاريخيا في تاريخ القضية الفلسطينية والصراع في الشرق الأوسط، فعلى الأقل لوضعه على جدول أعمال هذه الهيئة الدولية وجعله مسألة حاضرة في ذاكرة الرأي العام العالمي، الذي شهد تطورات هامة واستراتيجية في السنوات الأخيرة بانتقاله للتعاطف مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة بعد أن بقي لأكثر من ستين عاما محتكرا احتكارا كاملا من قبل إسرائيل والحركة الصهيونية.

إنه من الضروري والواجب فك الحصار عن قطاع غزة بسكانه البؤساء الذين وصل عددهم إلى مليون ونصف المليون فلسطيني، غالبيتهم من اللاجئين الذين جاءوا إلى هذا الشريط الضيق من مناطق يافا وقراها وبلداتها تحت ضغط التهجير بالقوة، الذي مارسته العصابات الصهيونية المسلحة عشية قيام دولة إسرائيل، وبعد ذلك عندما تحولت هذه العصابات إلى جيش منظم أطلق عليه، من قبيل الخداع وذرّ الرماد في العيون، ومن أجل قلب الحقائق والسعي لتغيير الأمور إلى أضدادها، اسم «جيش الدفاع» والمعروف أن هذا، أي فك الحصار، كان من الممكن تحقيقه، ولا يزال من الممكن تحقيقه، بإنهاء هذا الانقسام الفلسطيني – الفلسطيني المعيب والعودة إلى اتفاقية «المعابر» وفقا لما كان عليه الوضع عام 2005.

ما كان يجب أن تتقزم نتائج هزة العدوان الإسرائيلي السافر على «أسطول الحرية» التي أدت إلى زلزال سياسي هائل في العالم بأسره، ومن ضمنه الولايات المتحدة، إلى مطلب فك الحصار عن قطاع غزة الذي كان بالإمكان تحقيقه بالأمس واليوم والغد من خلال إنهاء هذا الانقسام الفلسطيني المعيب والمخزي، وكان على العرب ومناصري قضيتهم أن يذهبوا إلى مجلس الأمن، بينما كانت الحديدة لا تزال حامية، ليستغلوا لحظة تاريخية كانت مناسبة بالفعل ويلزموه إلزاما بالاعتراف بمرجعية المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بمرحلتيها غير المباشرة والمباشرة على أنها حدود الرابع من يونيو عام 1967.

في كل الأحوال وحتى لا نبقى ننتحب على كأس اللبن المسكوب كالعادة، فإن هناك فرصة لتطوير فكرة القوات الدولية التي يدور الحديث عن إمكانية الاستعانة بها في إسرائيل لضمان عدم تسرب أسلحة وذخائر إلى قطاع غزة في حال فُكّ الحصار عنه، بحيث يتم استصدار قرار ملزم عن مجلس الأمن الدولي بمرابطة مثل هذه القوات أو قوات متعددة الجنسيات أو حتى قوات من حلف شمال الأطلسي وأيضا قوات أميركية في الضفة الغربية عشية قيام الدولة الفلسطينية المستقلة المنشودة، وبعد ذلك لحماية الفلسطينيين من البطش الإسرائيلي ولانتزاع كل الذرائع من أيدي الإسرائيليين التي تعتبر بقاء معسكرات وأماكن سيطرة «جيش الدفاع» الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، حتى بعد قيام هذه الدولة الفلسطينية المستقلة، الضمانة الوحيدة لأمن الدولة الإسرائيلية.

والمعروف أن إسرائيل تواصل الإصرار، منذ إنشائها وحتى الآن، على رفض ولو جندي دولي واحد في الأراضي الفلسطينية، أي في الضفة الغربية وقطاع غزة، والسبب أن القبول بمثل هذا الوجود الدولي ولو على نطاق ضيق جدا يعتبر اعترافا بأن هذه الأراضي محتلة، وهذا يعتبره الإسرائيليون كلهم بيسارهم ويمينهم وبمعتدليهم ومتطرفيهم ضربا للأسطورة المزعومة التي أقيمت على أساسها إسرائيل، والقائلة بما يسمى «الوعد الإلهي» وبكذبة: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض».

والمحزن فعلا أن هناك من الفلسطينيين والعرب من لا يزال غير مدرك بعد معنى ومغزى مرابطة قوات دولية أو حتى قوات من حلف شمال الأطلسي في الضفة الغربية وعلى حدود قطاع غزة، الشمالية والجنوبية والبحرية والجوية، وهناك أيضا من لم يدرك بعد السبب الرئيسي لرفض إسرائيل لمثل هذه القوات، هذا مع أن هناك قوات دولية في الجنوب اللبناني على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وفي هضبة الجولان السورية المحتلة، ومع أن هناك قوات متعددة الجنسيات في سيناء، وقوات دولية بقرار من مجلس الأمن الدولي في الكثير من مناطق العالم المتوترة، ومن بينها كما هو معروف أكثر من منطقة في البلقان.

كان الإسرائيليون قد اغتالوا الوسيط الدولي كونت برنادوت في وقت مبكر، أي عام 1947، لأنهم كانوا يريدون ارتكاب جريمتهم، هم ومن معهم، من دون شهود وحتى لا يكون هناك أي اعتراض على كذبة: «الأرض الموعودة» وكذبة: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض»، وبقي الإسرائيليون يرفضون أي وجود دولي لا في الضفة الغربية ولا في قطاع غزة، لأنهم لا يريدون الاعتراف بأنهم محتلون، وأن هذه الأرض محتلة ولأنهم بالتالي يصرون، وهذا هو الذي لا تزال تتمسك به هذه الحكومة اليمينية المتطرفة التي على رأسها بنيامين نتنياهو، على أن الشعب الفلسطيني هو مجرد أقلية عرقية ودينية تعيش على الأرض الإسرائيلية!! وأنه لا يحق لهذه الأقلية أكثر من الإدارة الذاتية والحقوق المدنية وبعض الرخاء الاقتصادي.

ولهذا فما المانع إذا كانت حماس وفقا لوثيقة الدكتور أحمد يوسف، المستشار السياسي لإسماعيل هنية، قد تعهدت بحفظ وحماية أمن إسرائيل، وإذا كانت منظمة التحرير قد سبقت حركة المقاومة الإسلامية إلى مثل هذا التعهد بوقت طويل من أن يجري التركيز عربيا وفلسطينيا، وخاصة بعد كل هذا التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية على ضرورة استصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي بإرسال قوات دولية أو قوات متعددة الجنسيات لترابط في الضفة الغربية وعلى حدود قطاع غزة وتحت ذريعة ضمان أمن الإسرائيليين والدولة الإسرائيلية الآن وفي المستقبل الذي يتفق على مدته وحماية الفلسطينيين ودولتهم الناشئة من البطش الإسرائيلي؟.