عندما يتصل كيسنغر تدرك أن وقت كأس العالم حان

TT

اتصل بي هنري كيسنغر، الأمر الذي لا يحدث غالبا، لكنه يحدث عشية انعقاد بطولة كأس العالم، وذلك في انعكاس للشغف المشترك بكرة القدم ومؤشر على أن كرة القدم ستستحوذ على الاهتمام العالمي خلال الشهر المقبل، أو بالأحرى ستوجهه نحو المستطيل الأخضر.

فيما يخص الفريق الأميركي، الذي تتمثل إحدى نقاط الجذب المرتبطة به في أنه لم يتقن الأخطاء الحرفية المتعمدة بعد، جاء تعليق كيسنغر موجزا، حيث قال: «إننا أفضل حالا لكننا نفتقر إلى أسلوب وطني مميز. لا تزال الصورة العامة لنا تتشكل، كما لو كنا نتولى إدارة شأن دولي على نطاق عالمي». وبالفعل، من الواضح أن التكيف مع التحولات التي يشهدها توازن القوى العالمية يبدو مجهدا بالنسبة للولايات المتحدة - بما لا يدع مجالا لاقتراف أخطاء دبلوماسية كبيرة - ولا يزال هناك قدر من السذاجة يغلف كرة القدم الأميركية، رغم تمكن منتخبنا من التعادل مع نظيره الإنجليزي في أولى مبارياته ببطولة كأس العالم في جنوب أفريقيا واحتلاله المركز الثاني في بطولة كأس القارات العام الماضي.

قبل هذا التعادل، ظهرت على السطح أحلام متكررة حيال إمكانات الفريق الإنجليزي - والملاحظ أن الأوهام المتعلقة بكرة القدم الإنجليزية واحدة من الأوهام القليلة القائمة منذ أمد بعيد على مستوى العالم. وسرعان ما تبددت هذه الأوهام لتترك مكانها، وهو ما وصفه أحد المعلقين بأنه «المزيج المعتاد من الأمل والفزع» المرافق لروني وزملائه.

فزع - ويا له من فزع - تجلى في صورة خطأ من جانب روبرت غريت، حارس المرمى الإنجليزي، سمح لتمريرة ضعيفة من على مسافة 20 ياردة من كلينت ديمبسي بالمرور عبر أصابعه ودخول الشبكة. المؤكد أن هذا يشكل كارثة تاريخية، ففي عام 2002 في دور ربع النهائي، سمح ديفيد سيمان، حارس المرمى، لضربة حرة من مسافة 40 ياردة من جانب رونالدينهو، لاعب البرازيل، بالمرور فوق رأسه.

لا شك أن هذا الوقت عصيب، ولم تتمكن إنجلترا قط من التكيف معه. داخل ملعب كرة القدم، تقف المنتخبات ذات التاريخ التليد على قدم المساواة مع الأخرى ذات التاريخ المتواضع.

بالنظر إلى وضع «بريتيش بتروليم» والتلوث البيئي والسياسي الذي لا يزال يتدفق داخل خليج المكسيك، ربما يكون التعادل بين الجانبين النتيجة المثلى التي تعكس علاقة خاصة متوترة تجمعهما.

في الواقع، تنتمي البطولة إلى قليل من الدول، والتي تركت بصمتها العبقرية عليها، إلى جانب أيضا بعض الفرق المنافسة. من بين 18 بطولة كأس العالم أجريت حتى الآن، فازت دولتان فقط - البرازيل وإيطاليا - بأكثر من النصف. وفازت ألمانيا بثلاث بطولات.

وقد جرت دراسة المنتخبات وعقد مقارنات بينها. من جانبه، قال كيسنغر: «قدمت البرازيل كرة القدم الأجمل، بينما تخصصت إيطاليا في كسر قلوب خصومها. أما في ألمانيا، فإن الجميع يهاجم على نحو أشبه بتحركات إريش فون فالكنهاين خلال الحرب العالمية الأولى - أيضا يتولى الجميع مهام دفاعية».

ركزت البرازيل، التي نالت البطولة خمس مرات، على الطابع الهجومي - مثلما يتجلى في أسلوب لعب غارينشا وبيليه ورونالدينهو وروبينهو الذي جسد المستحيل. أما إيطاليا، التي فازت بالبطولة أربع مرات، فتدرك تماما كيفية إنهاء المباراة لصالحها على نحو لم يرق إليه أي منتخب آخر بعد - ويتضح ذلك في أسلوب لعب جنتيلي وشيريا وباريزي وكانافارو الذين حولوا الدفاع إلى فن خانق (يعرف أحيانا باسم «كاتيناتشو» أو «السلسلة»).

اللعب أمام إيطاليا يدفع الخصوم للجنون، ويعد أشبه بمواجهة رافاييل نادال على ملعب من الطمي في بطولة «رولان غاروس»، حيث تبدو على الخصوم مؤشرات التداعي ونفاد الأفكار التي بحوزتهم، وتبدو خطوط هياكلهم في التفسخ. ومثلما أشار جان بول سارتر ذات مرة، فإنه «في كرة القدم، كل شيء يصيبه التعقيد بسبب وجود الفريق الآخر».

ويعد هذا وجه تشابه بين كرة القدم والدبلوماسية والحرب، ذلك أن أفضل الخطط نادرا ما تتمكن من النجاة من الاتصال الأول بالعدو. وقد سبق أن أخبرني كيسنغر أنه ونيلسون مانديلا قريبان من بعضهما البعض، الأمر الذي أثار دهشتي بالنظر إلى آرائهما السياسية، وأشار إلى أن مانديلا درس الدبلوماسية المكوكية خلال فترة سجنه وأصبح مولعا بها لدرجة أنه عندما زار الولايات المتحدة بعد إطلاق سراحه عام 1990، طلب عقد اجتماع مع كيسنغر. وأخبرني كيسنغر، الذي ينوي حضور مباريات الأدوار النهائية من كأس العالم: «كان سلوك مانديلا حكيما على نحو استثنائي. إنه أحد العظماء الذين التقيتهم». وتعد بطولة كأس العالم الحالية، وهي الأولى من نوعها التي تقام في أفريقيا، بمثابة تقدير لهذه العظمة المتسامحة. ومن المؤكد أن منتخب جنوب أفريقيا لن يفوز بالبطولة، لكن أفريقيا ستستفيد قطعا من تنظيم هذا الحدث، وهو أمر مهم مع بداية القرن الجديد. وربما أيضا أن يحصل اسم جديد، مثل إسبانيا، على شرف رفع كأس العالم.

إلا أنه من الملاحظ أن البرازيل تحظى حاليا بأفضل خط دفاع في تاريخها، ويعد خوليو سيزار، حارس مرماها، الأفضل عالميا. وينطبق القول ذاته على ظهيرها الأيمن مايكون (وكلاهما يلعب لحساب إنتر ميلان، وكذلك ظهير الوسط لوسيو). وحال فوز البرازيل بالكأس هذا العام، الأمر الذي يبقى دوما احتمالية قائمة، فإن هذا الفوز سيعتمد دوما في جزء منه على الخط الذي كانت عادة ما تهمله.

وبذلك نجد أن الأمور لم تنقلب رأسا على عقب بعد. وربما تبذل إسبانيا، التي تعاني من مشكلة مزمنة تتمثل في تراجع أدائها، أكبر مجهود ممكن، خاصة في ظل آخر 45 مباراة خاضها المنتخب الإسباني، لم يهزم سوى مرة واحدة فقط. ويملك المنتخب اثنين من أفضل مهاجمي العالم، ديفيد فيا وفيرناندو توريز، وكذلك اثنين من سحرة خط الوسط، إنييستا وزافي.

بالنسبة لتوقعاتي الشخصية، أعتقد أن الفائز المحتمل بالبطولة حسب ترتيب حجم الاحتمالات كالآتي: إسبانيا والبرازيل وهولندا والأرجنتين وإيطاليا وألمانيا. أما المفاجأة المحتملة فهي غانا. أما إذا جاء أداء أميركا جيدا، فسيعود هذا بالنفع على أوباما. ومثلما يعي كيسنغر جيدا، فإن لا مبالاة واشنطن تجاه كرة القدم شكلت دوما مصدر شكوك عالمية عميقة.

* خدمة «نيويورك تايمز»