مأزق وورطة!

TT

انتهيت من قراءة كتاب رائع وممتع للاقتصادي اللبناني المعروف الدكتور كمال ديب، والمعنون بـ«هذا الجسر العتيق.. سقوط لبنان المسيحي؟». وهو يسرد بشكل مدهش ومثير التاريخ السياسي والاجتماعي للمسيحيين في لبنان والتيارات التي تولدت بين المطالبين بهوية مستقلة للبنان تابعة لأوروبا أو لفرنسا بعيدا عن محيطها العربي والإسلامي، وآخرين يطالبون بالاندماج والتواصل، ومن خلال هذه النظرة الخاصة تولد للبنان وضع غريب.

فقد كان من خلال رموزه المسيحية يصر على أن له وضعا خاصا من خلال مسيحييه الموجودين فيه (وهو مطلب لم يناد به مسيحيو العراق ولا سورية ولا الأردن ولا فلسطين ولا مصر ولا السودان من قبل). وبالتالي لا بد أن يكون التمثيل الديمقراطي بالحصة والطائفة، وهو الذي ولد إشكالية لا حل لها لليوم. فالديمقراطية اللبنانية لا تعترف بحكم الأكثرية، وهي تريد ديمقراطية مفصلة بحسب الطائفة وبالتالي أي تغيير ديموغرافي على الأرض هو انتقاص لحقوق المسيحيين أنفسهم، وهو الذي جعل المسيحيين يتوجسون خيفة من أي تطور للنظام الديمقراطي نفسه كإلغاء الطائفية السياسية أو القبول بالزواج المدني وغير ذلك من الطروحات التي كانت دوما داخل المنظومة السياسية في لبنان.

واليوم في مصر يجري الحديث وبشدة وحدة عن موضوع التدخل القضائي في حق الزواج الثاني للأقباط الذين تحرمهم شريعة الكنيسة الأرثوذكسية منه. وهناك أصوات داخل المجتمع المسيحي تطالب بفتح باب الاجتهاد في آراء حق الزواج الثاني (كما حدث من أطراف مسيحية أخرى تتبع مذاهب ومدارس فكرية أخرى سمحت بحق الزواج الثاني واستنبطت هذا الحق من قراءة في الكتب الدينية المسيحية نفسها).

اليوم يبدو أن مأزق وجود الأعراق والمذاهب والأديان وما يسمى بالأقليات في العالم العربي بحاجة إلى نظرة مغايرة نوعا ما. فهناك حاجة ماسة لأن يكون حق المساواة والمواطنة واضحا، وكذلك ممارسة ديمقراطية توافقية مع الخط العام لرغبة المجتمع، فلا يمكن تفصيل مفاهيم خاصة على المفاهيم العامة، لأن ذلك سيشكل مجتمعا تصادميا عاجلا أم آجلا.

لبنان فكرة بلد جميل، للجميع فيه حق متكافئ ومتساو، لا يميز فيه فريق على آخر لأي سبب من الأسباب، وإلا في هذه الحالة ما الفرق بين لبنان وإسرائيل؟ لأن اليهود في إسرائيل يصرون على أن إسرائيل دولة يهودية حصرا، وبالتالي تكون جميع الأعراق والأديان الأخرى في إسرائيل ومن ينتمون إليها مواطنين من الدرجة الثانية. وبالتالي تكون كلمة ديمقراطية في وصفها للحال السياسي الإسرائيلي أكذوبة وأسطورة هائلة.

التطور السياسي في المجتمعات العربية يجب أن يكون انعكاسا للواقع الحقيقي الذي تحياه، ويكون سابقا لها في أحيان أكثر. الدكتور كمال ديب يستشهد بمقولة للزعيم الماروني اللبناني الراحل ريمون إده وهو يقول لابنه: «خلال عشرين سنة لن يكون هناك مسيحي في لبنان». وهي نظرة متشائمة؛ لأن إده كان يرى لبنان مسيحيا فقط، وكل الفرق الثانية عليها أن تخدم «لبنان الماروني». ولذلك قضى بقية عمره خارج لبنان يحاول حل قضايا بلاده من باريس!

العالم العربي برمته يعاني من مشاكل كبيرة، وهي ليست بحاجة لمزيد من التفاصيل المتطرفة التي لا ترى الحل إلا في مصالح محددة تخص طائفة أو فريقا بعينه.

[email protected]