مفخرة السيارة السعودية

TT

تصنيع السعوديين لأول سيارة في تاريخهم هو هدف كبير وذكي يحق لهم أن يفخروا به. وهذا «الهدف الذكي» هو الذي تحدثنا عنه في مقال سابق، ويسمى في الإدارة بالـ«Smart Goal»، إذ يحمل اختصارات الحروف الأولى من كلمة ذكي، أي أنه: محدد، يمكن قياسه، يسهل تحقيقه، واقعي، ومحدد بمدة زمنية.. ومن دون هذه العناصر يصبح الهدف «حلما» صعب المنال.

وأنا أشاهد خبر السيارة السعودية «غزال1»، شعرت بالفخر كعربي، وتذكرت ذلك الرجل الذي كان جالسا إلى جانبي ونحن نشاهد عبر التلفاز احتفال الإيرانيين بتصنيعهم لإحدى الطائرات، فقال بنبرة تهكمية يائسة إن «دول الخليج تحتاج إلى 100 سنة حتى يبدأوا بتصنيع سيارة»!. فقلت له إن الأمر أسهل مما تعتقد لو تم وضع «هدف واضح» تصاحبه خطة تطبيقية وعزيمة واستقطاب للكفاءات، عندئذ يمكن لأي دولة عربية تحقيق هذه الصناعة وغيرها. الغربيون الذين سبقونا ليسوا أفضل منا، فمقومات معظم الصناعات موجودة لدينا، لكننا نحتاج إلى أن نبدأ فعليا على أرض الواقع.

مشروع السيارة السعودية «غزال1» هو دليل عملي على أن الجامعة هي مهد مشاريع التقدم في المجتمع. فجامعة الملك سعود قدمت الكثير من المبادرات النوعية والريادية، مما جعلها تصبح الجامعة العربية الوحيدة من ضمن أفضل 500 جامعة في العالم بحسب تصنيف شنغهاي المرموق.

وليس هذا فحسب، فالشابة السعودية د.غادة المطيري المختصة في تكنولوجيا النانو تبوأت منصبا رفيعا وهو رئيسة مركز الأبحاث بجامعة كاليفورنيا الأميركية، وقد خرجت مواهبها ومشروعاتها المتميزة من رحم الجامعة. وكذلك الحال مع الجراح السعودي د.صفوق الشمري، الذي نجح مع باحثين يابانيين في تطوير أنسجة بشرية صنعت قلبا ينبض في المختبر، وهو نجاح تم بعد 15 سنة من البحث، الأمر الذي يتوقع أن يؤدي إلى الاستغناء عن زراعة القلوب البشرية، والاعتماد على القلب الصناعي الجديد، وهو إنجاز كبير للبشرية.

وقد شعرت بأهمية الجامعة بالمجتمع عندما كنت في زيارة لإجراء مقابلة صحافية مع العالم المصري الشهير د.فاروق الباز، رئيس مركز الاستشعار عن بعد بجامعة بوسطن الأميركية، فلم أجده في مكتبه بحسب الموعد، فأشارت علي السكرتيرة بالتوجه إلى معمله، وإذا به منهمك في تدريب طالب كويتي على تقنية الاستشعار عن بعد، التي ساهم الباز من خلال تفوقه فيها منذ الستينات بتدريب رواد الفضاء الأميركيين على مواقع الهبوط على سطح القمر، حتى إن رائد الفضاء ألفريد وردن قد امتدح د.الباز في أثناء تحليق الأول في مدار حول القمر، حيث كان يقود مركبة فضائية، فقال: «أتذكر جيدا شرح الملك للقمر كما لو أنني كنت هنا من قبل»! والملك هو كناية يطلقها العاملون في وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) آنذاك على د.فاروق. ولا ننسى أيضا العالم أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل، كل هؤلاء صنعوا مجدهم ورفعوا اسم بلادهم من خلال الحرم الجامعي.

من هنا يأتي دور أثرياء العرب وشركاتهم بضرورة دعم كراسي البحث في الجامعات حتى تبقى الجامعة منارة المجتمع. ودعم المشاريع في الجامعة ليس له دور علمي تكنولوجي فقط، لكنه يسهم في دراسة مشكلات المجتمع، ويضع لها الحلول العلمية، ومن أمثلة ذلك: الطلاق، وإدمان المخدرات، والتدخين، والجرائم، ومشكلات حوادث المرور التي تودي بحياة 36 ألف شخص سنويا في الوطن العربي (أي مائة شخص يوميا)، فضلا عن إصابة 400 ألف بحسب المنظمة العربية للسلامة المرورية. لماذا ننتظر الغربيين حتى يحلوا مشكلاتنا ولدينا آلاف الأساتذة المختصين في الجامعات الذين يمكن أن يطبقوا هذه المشاريع البحثية المهمة؟

ورغم أهمية البحث العلمي للعالم العربي، فإن «النفقات العلمية في الوطن العربي لا تشكل سوى نسبة 0.14 في المائة من الناتج الإجمالي العربي بالمقارنة بـ1.26 في المائة لكوبا، و2.9 في المائة لليابان»، كما أن «الاستثمار في البحث والتطوير أقل من سبع المعدل العالمي»، بحسب تقرير التنمية العربية الإنسانية 2002.

ولعل مشروع السيارة السعودية «غزال1»، وغيره من المشاريع العربية الرائدة، يشجع الدول العربية وقطاعاتها الخاصة على إعادة النظر في حجم الدعم الذي يفترض أن يحظى به البحث العلمي حتى يتمكن علماؤنا من تقديم دراسات بناءة للمجتمع العربي، عَلنا نقود مجددا ركب الحضارة الإنسانية كما كنا كذلك في السابق.

[email protected]