تقويل لا قول

TT

من الأقوال المعروفة والملعونة في أنحاء الأرض، ما نسب إلى ماري أنطوانيت، ملكة فرنسا، زوجة لويس السادس عشر وابنة إمبراطور النمسا. فعندما قيل لها، لم يعد لدى الناس خبز، قالت: حسنا. لماذا لا يأكلون البسكوت؟! شكك البعض في الرواية وقبلها كثيرون دون نقاش وتناقلوها عبر العقود، وتناقلوا التهمة التي ألصقتها بها «محكمة الثورة»، وهي أنها أقامت علاقة سفاح مع ابنها البالغ من العمر ثماني سنوات. وكان قادة الثورة قد جعلوا الابن في عهدة «معلم». وكان «المعلم» إسكافيا. أي نعالا. أو صندليا.

لم ينقل لنا أحد ماذا قالت ماري أنطوانيت في محاكمتها. اكتفى العقل البشري الخامل والمتلذذ بالشماتة، بأن قرأ الاتهامات التي ساقها مدعي عام الثورة، فوكييه - تنقيل. وهذا كان يفيق كل يوم وهو في حاجة إلى مائة عنق جديدة، من «أجل حيوية الثورة».

كثير من التاريخ كذب وأكثره تلفيق. وعندما تبعد الأحداث كثيرا كيف يمكن التحقق منها؟ حاول مؤرخون أن يعيدوا كتابة تاريخ ماري أنطوانيت، خصوصا مواطنيها النمساويين، الذين بنوا على أن المرأة تعرضت لموجة حسد وكره، لكونها أجنبية. وسعى بعض الفرنسيين إلى تلطيف التهم، خصوصا تلك البيولوجية غير القابلة للتصديق طبيا.

لا أدري لأي دافع، أقرأ الآن نصوص محاكمة ماري أنطوانيت والملف الاتهامي الذي أعده خلال عام أشهر قطاع أعناق في التاريخ، والمثال الأمثل لبول بوت. وأول ما يظهر من أجوبة ماري أنطوانيت أنها سيدة شديدة الحذر، فائقة الشجاعة، نشأت في بيت إمبراطور وعاشت في بيت ملك.

لم تستطع المحكمة أن توقعها في فخ إجابة واحدة يمكن أن تؤدي إلى إدانتها. ولا استطاع سعادة المدعي العام أن يثير ثائرتها أو غضبها على قادة الثورة، وهي تدرك أن عربة يجرها بغل تنتظر في الخارج لكي تنقلها إلى المقصلة. كان همها أن تحمي أبناءها، وخصوصا طفلها الصغير، ابن ملك فرنسا وحفيد إمبراطور النمسا، الذي جعل في عهدة «مرب» نعال.

من يقرأ محاكمة ماري أنطوانيت يخلص إلى أنه لا يمكن لسيدة في مثل هذا الحرص أن تتهور إلى القول «فليأكلوا البسكوت». فقط رجل مثل فوكييه - تنقيل يمكن أن يتفوه بمثل هذا الاحتقار للناس. النبلاء ينشأون على خطاب مؤدب.