فرص تلوح في الأفق في أزمة قرغيزستان

TT

مع مراقبة الأوضاع الأمنية المتردية في قرغيزستان، لا نملك صد شعور من بقايا حقبة «الحرب الباردة» بأن تلك البلاد ستتحول إلى نقطة توتر جديدة بين الولايات المتحدة وروسيا. بيد أنه في واقع الأمر، العكس هو الصحيح، ذلك أن هذا البلد الآسيوي القاصي الضعيف يطرح فرصة جديدة أمام موسكو وواشنطن للعمل معا كشريكين.

الثلاثاء، شرح أحد كبار مسؤولي إدارة أوباما أنه «لا ننظر بأي حال من الأحوال إلى هذا الأمر باعتباره قضية لا بد فيها من منتصر ومهزوم، بل على العكس، إننا نحرص على تنسيق مواقفنا بصورة وثيقة مع موسكو».

من ناحية أخرى، تشير الأرقام إلى أن حصيلة القتلى ارتفعت هذا الأسبوع إلى المئات، لكن يبدو أن أعمال العنف انحسرت، الثلاثاء، وأعلن وزير الدفاع القرغيزي أن حكومته ستسحب طلبها إيفاد قوة دولية لحفظ السلام إلى البلاد. إلا أن مسؤولين أميركيين قالوا إنه من العسير التنبؤ بمدى سرعة استعادة البلاد الاستقرار. المعروف أنه في بداية الأمر سعت الحكومة القرغيزية إلى التدخل الروسي، لكن روسيا لمحت إلى أنها لن تبعث قوات بمفردها.

أما المفاجأة فتكمن في أن مسؤولين أميركيين يرون أنه في حال استمرار أعمال العنف، فإن قوة التدخل النموذجية ستكون تلك التي تشارك بها روسيا وشركاء إقليميون آخرون. ويمكن تشكيل هذه القوة من الدول الأعضاء في «منظمة معاهدة الأمن الجماعي»، وهو تحالف من الجمهوريات السوفياتية السابقة، أو ربما يشكل «تحالفا من الدول الراغبة» يضم قوات من تركيا، بجانب روسيا وكازاخستان والدول المجاورة الأخرى.

وقد أبقت الولايات المتحدة وروسيا على اتصالات وثيقة بينهما منذ تفجر الأزمة الأسبوع الماضي. وتعاونت الدولتان على وضع تقرير جرى عرضه على مسؤولي الأمم المتحدة، مساء الاثنين، أرسى قواعد العمل الجماعي، إذا ما دعت الضرورة إليه.

الملاحظ أن الولايات المتحدة تقدم بالفعل مساعدات إنسانية، مع اتخاذها استعدادات لتقديم المزيد. الاثنين والثلاثاء، جرى تقديم مساعدات عاجلة وإمدادات طبية، علاوة على حزمة مساعدات أكبر من المقرر الإعلان عنها في وقت متأخر من هذا الأسبوع تتجاوز قيمتها 10 ملايين دولار من صندوق أميركي جديد لمواجهة الأزمات المعقدة. ورغم أن الولايات المتحدة لم تتلق أي طلب بالمساعدة العسكرية، فإنها تدرس توفير مساعدة في مجال المراقبة والاستطلاع واستخدام طائرات عسكرية أميركية لنقل جنود أو إمدادات. أما الأمر الجيد بالنسبة لهذا التوجه الأميركي - الروسي تجاه الأمن فيكمن في أنه يبتعد عن الفكرة الخاطئة التي تدور حول أن الدولتين محصورتان في «لعبة كبيرة» تتصارعان في إطارها على النفوذ في آسيا الوسطى. وقد سادت هذه الفكرة التي تضرب بجذورها في القرن التاسع عشر وتدور حول التنافس الحتمي بين الكثير من المحللين الأميركيين في تسعينات القرن الماضي، وأسفرت عن بعض الاستراتيجيات غير المتقنة لتوسيع دائرة النفوذ الأميركي والتصدي للروس.

بيد أن هناك وجهة نظر أكثر تناغما تدور حول أن روسيا وأميركا ينبغي أن يشكلا شريكين طبيعيين في آسيا الوسطى. فبالتأكيد، تتشارك الدولتان في ذات الأعداء؛ الجماعات الإسلامية المسلحة، والعصابات الإجرامية التي تهدد استقرار المنطقة. وقد تمسك الرئيس أوباما بهذا النهج منذ توليه الرئاسة، وأشار مسؤولون أميركيون إلى أنه ناقش الأوضاع في قرغيزستان والحاجة إلى تجنب المواجهة هناك، خلال اجتماع تقريبا جمعه بالرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف.

إن تفجر أعمال العنف هناك يعد واحدا من السمات المميزة للكثير من الدول النامية، التي تنجم عن مزيد من التفاوت الاقتصادي والتشاحن السياسي الإقليمي والكراهية العرقية. بدعم خفي من موسكو، شنت حكومة مؤقتة جديدة انقلابا في أبريل (نيسان) الماضي نجح في تمكين أغلبية قرغيزستانية تهيمن على القطاع الشمالي من البلاد. لكن ما أثار صدمة موسكو وواشنطن (التي تسامحت تجاه الانقلاب لاحقا)، أن هذه الحكومة الجديدة لم تتمكن من وقف الهجمات الدموية من جانب الغوغاء في قرغيزستان ضد الأقلية الأوزبكية في الجنوب التي يكنون لها كراهية عميقة لاستحواذها على حصة كبيرة من القوة الاقتصادية هنا. ومع انتشار حركة «التطهير العرقي» تلك في أوش وجلال آباد خلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، تشير الأرقام إلى فرار قرابة 80 ألف من الأوزبك عبر الحدود إلى داخل أوزبكستان.

وتتمثل أهمية قرغيزستان بالنسبة للولايات المتحدة في أنها توفر قاعدة جوية لها في ماناس التي تحولت إلى نقطة ترانزيت أساسية لنقل مزيد من القوات والإمدادات إلى أفغانستان. وحاليا، تمثل «شبكة التوزيع الشمالي» تلك قرابة 70% من الشحنات المتجهة إلى داخل منطقة الحرب، حسبما أوضح مسؤول أميركي، مع عمل نحو 1300 أميركي داخل مركز ماناس.

في وقت من الأوقات، نظر الروس إلى قاعدة ماناس كشوكة في جانبهم، لكن في ضوء روح «الشراكة البراغماتية» الجديدة، حسبما وصفها الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية الذي مارس ضغوطا لفتح طريق الإمدادات الشمالي، خلصت روسيا إلى أن لها مصلحة في نجاح أميركا داخل أفغانستان. فقطعا، لا تود روسيا في انتشار حركة تمرد إسلامية شمالا.

ولا شك في أن حل التعاون محل المناورات السياسية الكبرى داخل آسيا الوسطى يعد تغييرا إيجابيا عما كان عليه الحال منذ بضع سنوات. وإذا تم توسيع نطاق هذا النموذج للتعاون الروسي - الأميركي ليشمل التعاون بحزم مع إيران، ربما نعاين بدايات نظام يستحق أن يطلق عليه «الأمن المشترك».

* خدمة «واشنطن بوست»