معلم ومخبر سري!

TT

ذكرت صحيفة «الوطن» السعودية، عدد الخميس الماضي، أن إدارة مرور جدة فتحت المجال أمام عدد من معلمي المدارس والطلاب للمشاركة كعناصر سرية وفاعلة في ضبط ظاهرة «التفحيط» أثناء الاختبارات من خلال تعاونهم مع رجال المرور في الإبلاغ عن أي طالب يقوم بممارسة هذه الظاهرة خلال هذه الفترة الممتدة لأسبوعين كاملين.

وعلى الرغم من خطورة هذا النوع من الاستعراض المجنون بالمركبات، الذي أودى بحياة عدد من الطلاب، فإن تكليف بعض المعلمين والطلاب للعمل كعناصر سرية للإبلاغ عن طلابهم أو زملائهم أراه من وجهة نظري - على الرغم من أهمية الغاية - إجراء لا يتسق مع أدوار المعلمين ومهامهم التربوية، فلقد عرفنا المعلم موجها ومرشدا وناصحا، وقدوة، ومثالا، ولكن لم نعهده مخبرا سريا عن طلابه، فضلا عما يمكن أن تحدثه هذه المهمة الجديدة من خلق فجوة بين الطلاب ومعلميهم، وبين الطلاب وبعضهم البعض، وما يمكن أن تثيره من صراعات، وأحقاد، وضغائن، وشكوك، قد تتطور إلى ما يتجاوز تصوراتنا، وكنت أتمنى من إدارة المرور وإدارة التعليم في المحافظة تبني برنامج توعوي مكثف يشارك فيه المعلمون والطلاب للتنبيه إلى خطورة الظاهرة، فالمشاركة التربوية في هذا المجال مشروعة، ومن الواجبات الأساسية للجهاز التربوي، أما العمل السري - على النحو الذي أشار إليه الخبر - فليست المدارس مكانه، وليس من بين أدواته المعلمون والطلاب.

وكم أتمنى من مدير مرور جدة العقيد محمد القحطاني - الذي طرح فكرته هذه من باب الحرص على سلامة أبنائنا - أن يتراجع عن تطبيقها قبل أن تتسبب في خلق إشكاليات لا تقل خطورة عن «التفحيط» ذاته، مع تقديري لكل الجهود الموفقة التي يبذلها - وفريق إدارته - في ضبط المرور في هذه المدينة التي لم تعد تتسع شوارعها، وجسورها، وأنفاقها، ومستحدثاتها لكل هذه الأعداد من المركبات، فجل ساعات جدة الـ24 غدت ساعات ذروة، تئن من وطأة عجلات مركباتها الشوارع والدروب، وتلقي على كاهل مرور المدينة مسؤوليات تفوق مسؤوليات نظرائهم في مدن أخرى، فما يقوم به مرور جدة يعد عملا استثنائيا في ظروف استثنائية بلغتها المدينة، وجعلت الحركة اليومية فيها عملية معقدة، نتيجة عجز المدينة عن استيعاب كل هذه المركبات التي تتناسل يوميا عبر مختلف المنافذ.

حظا أفضل لرجال التربية والمرور في إيجاد حلول أمثل وأنجع لظاهرة «التفحيط»، بعيدا عن هذه الفكرة التي تهدد العلاقات داخل المجتمع المدرسي.