كثرة الطباخين تفسد الطبخة!

TT

من مأثورات الحكماء أنك إذا رأيت زوجين يتعاركان فلا تحشر نفسك بينهما. ما انطبق على الأسرة ينطبق على السياسة. معظم هذه الحروب التي أدمت البشرية ترجع إلى تدخل القوى الأجنبية في النزاع. ينطبق هذا الكلام أيضا على تطور المسألة الفلسطينية. أشرت في مناسبة سابقة إلى ما قاله الكاتب اليهودي آرثر كويسلر من أن تكون لإسرائيل حياتها ومستقبلها مستقلا عن حياة ومستقبل الشتات اليهودي في العالم. لم يحدث ذلك وظلت الصهيونية تؤكد على وحدة الشعب اليهودي والتحامهم بإسرائيل. وبوحي ذلك ظلت تتلقى الدعم المالي والعسكري والسياسي والإعلامي منهم بما مكنها من التوسع والوصول إلى قوتها الراهنة.

وعلى الطرف الآخر، انبرى العرب منذ 1936 إلى دعم الفلسطينيين بشتى الوسائل بما فيها إرسال المجاهدين والسلاح والتعهد بالوقوف بجانبهم على طول الخط. وصل الدعم ذروته بزج الجيوش العربية في سلسلة من الحروب ضد «الكيان الصهيوني» وبذل ملايين الدولارات في دعم المنظمات الفلسطينية. سرعان ما تحولت القضية إلى «بزنس» يعيش عليها وعلى استمرارها عيشة راضية ألوف الناس. وكذا الحال مع الجانب الصهيوني. هناك الآن عشرات اللوبيات والمنظمات الإعلامية التي تمول من الشتات لمساندة إسرائيل والدفاع عنها والرد على الفلسطينيين والتشهير بالعرب والمسلمين. من دفع تكاليف كل هذه المستوطنات التي بنيت في الضفة وحول القدس ومد سكانها بالمساعدات للسكن فيها وتحدي الفلسطينيين وتنغيص حياتهم؟

أنا واثق لو أن كلا الطرفين لم يتلقيا ذلك الدعم المكثف من الخارج لما توسع النزاع وتعقد ووصل إلى مرحلة الانسداد الحالية. فلو أن الفلسطينيين لم يتوقعوا من العرب الدعم الذي تلقوه والوعد الذي سمعوه، لحصروا تحركهم في نطاق قدراتهم المحدودة وسعوا لتسوية سلمية في إطار قرارات التقسيم لعام 1937 أو عام 1947 وتفاهموا مع اليهود على خلق مستقبل مشترك من التعاون والتفاهم في إطار دولتين متجاورتين صديقتين أو دولة واحدة ذات قومية مزدوجة. ومن دون شك لما اضطر ألوف اللاجئين إلى ترك ديارهم وقضاء حياتهم في المخيمات. وفي الأخير، لما مات ألوف الناس على مصارع هذا النزاع.

يصدق الكلام نفسه مع إسرائيل. فلولا اعتمادها على تدفق الملايين من التبرعات والمساعدات وألوف المتطوعين لما استطاعت أن تتعنت وتتعاظم طموحاتها. في 1948 التقى الملك عبد الله سرا مع غولدا مائير وطرح عليها اقتراحا للسلام. قالت: لا. بل استعد وحضر نفسك للحرب.

ما كانت تقول ذلك لولا معرفتها بالدعم الخارجي والإمدادات التي كانت قد أدخلتها في حساباتها لتلك الحرب بحيث تستطيع أن تتحدى وتجابه سبع دول.

السؤال الآن: من طوّر هذا الموضوع وشعّبه وأعطاه هذه الأبعاد العالمية؟ مما لا شك فيه. إنهم المثقفون. من يحمل سيفا يبحث عن رجل ينازله، ومن يحمل قلما يحتاج إلى موضوع يكتبه!