فضيحة بجلاجل!

TT

قبل نحو ست سنوات شهدت السعودية جريمة اغتصاب مقززة، تحولت إلى قضية رأي عام، حينما انتشرت تفاصيلها عبر تقنية «البلوتوث»، لتصل إلى بعض مواقع الإنترنت، ونال كل المتصلين بها جزاءهم، وكان يمكن لهذه القضية أن تنتهي عند هذا الحد، لكنّ خبرا تناقلته الصحافة الإلكترونية بأن أحد أطراف القضية - بعد خروجه من السجن - أعطى موافقة لكاتبة روائية سعودية لتناول قصته كاملة، كما نقل أحد المواقع الإلكترونية - وكالة أخبار المجتمع السعودي - عن الروائية قولها: «إن الرواية ستطرح القضية بشكل منطقي وواقعي مبني على تسلسل أحداث غابت عن الرأي العام، وهي أحداث متعلقة بانفعال ذاتي نابع من معاناة وقهر من الخيانة، ومرتكز على مشاعر سن المراهقة، وهي أحداث تبدأ من أمام باب مدرسة الطالبات، وتنتهي بباب السجن، وتتطرق إلى خروج (...) من البلد من أجل حياة جديدة».

وهنا أود أن أشير إلى أن من حق الروائية أن تكتب روايتها، ومن الزوايا التي تراها، لكن هذا العمل سيكون عملا توثيقيا لواقعة حقيقية أكثر من كونه عملا روائيا، حيث تعترف الكاتبة منذ البدء بأنها «ستطرح القضية بشكل منطقي وواقعي»، و«المنطق» و«الواقع» سيحاصران الرواية هنا كعمل فني إبداعي يتطلب الخيال، والتمرد على المنطق «أحيانا»، وليكن الله في عون الكاتبة لتحليل دوافع ما حدث، إذ لا يكفي القول بأنها «أحداث متعلقة بانفعال ذاتي نابع من معاناة وقهر من الخيانة، ومرتكز على مشاعر سن المراهقة»، فطرف القضية التي منحها الموافقة كان قد تجاوز سن العشرين عند حدوث المشكلة، أي أنه تخطى مرحلة المراهقة بمفهومها العمري المتعارف عليه، كما أن رد الفعل على خطأ الخيانة لدى الأسوياء لا ينتج عنه - في الغالب - خطأ آخر أكثر فداحة.

موضوع الرواية خصب وثري بالدلالات النفسية، لو لم تتعجل الروائية ربطه مباشرة بالحادثة الشهيرة، الأمر الذي سيؤطر العمل الفني بحدود الواقع، مع أن الكثير من الروايات - ذائعة الصيت - انطلقت من حوادث واقعية، ولكنها لم تقيد نفسها بها مباشرة، كما فعل علاء الأسواني في روايته «عمارة يعقوبيان»، وكما تفعل بعض الأفلام والمسلسلات التي تتحدث عن قضايا واقعية، أشخاصها معروفون، ولكنها تتجنب الالتزام المباشر بالأسماء والأحداث لتحقيق حرية الإبداع من ناحية، ولتجنب المساءلة القانونية من ناحية أخرى.

وباختصار: إن الجريمة إذا ما كتبت على النحو التوثيقي الذي تتحدث عنه الروائية قد تغدو فضيحة بجلاجل لكل أطرافها، والله الستار.

[email protected]