هم يضحك وهم يبكي!

TT

الرقابة في الصحف والإعلام العربي مسألة رمادية ومطاطية وغير واضحة الملامح، فالخطوط «الحمراء» غير واضحة الملامح، لأنها في واقع الأمر خطوط «زهرية» وأخرى «سوداء» تعتمد على جرأة ومزاجية كل مطبوعة على حدة من دون سياسات عامة دقيقة.

فهناك من رؤساء التحرير من يزايد على وكالات الأنباء الرسمية في بلاده ويخفف في بعض كلماتها، وآخر من يكون لزوجته «رأي» في بعض الأخبار والمقابلات، وخصوصا مع الجنس اللطيف، وبالتالي اعتقد الكثيرون أن أسلم طريقة لنقد الأحداث والشخصيات العامة عبر وسيلة الكتابة الساخرة، وهي نفس الفكرة التي لجأ إليها مؤلفو الدراما التلفزيونية وقدموا نجاحات مهمة في إنتاجات لافتة مثل «مرايا» السورية و«طاش» السعودية وغيرهما، وفي الكتابة الساخرة هناك أسماء شديدة التأثير على مستوى الرأي العام، ولعل المثال المصري يظل الأبرز في هذا المجال، ولا يمكن إغفال كتابات الراحل محمود السعدني، التي كونت أجيالا من المهتمين والمتابعين لها بشغف وحول شخصية «الولد الشقي» إلى رمز للمواطن المقهور، وهناك عمدة الكلمة الساخرة المخضرم أحمد رجب، أستاذ المختصر المفيد وما قل ودل، فهو صاحب عمود «نصف كلمة» الشهير الذي يختصر في أسطر محدودة جدا فكرة هامة وتلمس الوجدان الشعبي العام، ويمكن القول وبلا أي مبالغة إنه اليوم أهم كاتب شعبي في الصحافة المصرية.

ولأننا نتحدث عن السخرية في مصر، فالمتوقع أن تكون هناك وجوه جديدة في هذا المجال، وهذا ما حدث بالفعل، فالساحة الصحافية المصرية تشهد التألق المتواصل لنجمي بلال فضل وعمر طاهر اللذين تحولا إلى قصتي نجاح مبهرتين في الكتابة الساخرة الجديدة، وتحولت كتبهم هي الأخرى إلى احتلال مواقع متقدمة في قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الأسواق المصرية للكتاب.

وفي العالم العربي، هناك أسماء لها مكانتها المميزة وأثرها المتنامي، فالكويت تقرأ وتبتسم لكتابات فؤاد الهاشم، وفي سورية كانت لكتابات الراحل محمد الماغوط الأثر المعروف، وإن كانت سوداوية بعض الشيء إلا أن الأثر الساخر فيها كان صارخا، وكذلك الأمر بالنسبة لزكريا تامر الكاتب الدمشقي العتيق الذي عرف بقلمه اللاذع والمغلف بحروف حزينة.

واليوم في السعودية يبرز وبقوة شديدة وبأسلوب غاية في التميز قلم الكاتب خلف الحربي، الذي تحول إلى وجبة أساسية للكثير من القراء، يتناول الشأن المحلي بخفة دم حقيقية ومقدرة بسيطة دون تصنع أو «استخفاف». وهناك من يحاول «الظرف» فيملأ ريشة قلمه «بالنشا» بدلا من الحبر فتخرج الكلمات ثقيلة ومملة، وهناك من يحاول أن يكون ساردا فيعتقد أنه «ابن المقفع» ولكن كلماته الخاوية تحوله إلى «ابن المفقع»!

الكتابة الساخرة هي أسلوب ماهر ومهم لتشريح الشأن الاجتماعي، وكانت «الهيرالد تريبيون» تفتخر بأن أعداد قراء آرت باكوالد وهو الساخر بامتياز تفوق قراء فريدمان وبروكس وسافير، وهذا إنجاز ليس بقليل. تحية من القلب لساخرينا فهم يضحكوننا على همنا!

[email protected]