هل أضاع المصريون غزة؟

TT

منذ أربع سنوات يكال النقد إلى مصر بدعوى «تخاذلها»، و«شراكتها» في حصار غزة، الذي يختتم عادة بالحديث عن أفول الدور المصري. فهل أفلت مصر أم نحن في وسط واحدة من الحروب الكلامية؟

راج الحديث عن صعود قوى وأفول أخرى.. لكن يجب أن نتذكر أنه يصعب إلغاء مصر لسببين؛ سكانيا هي الأكبر بين دول المنطقة، وتوسطها يعطيها قيمة جيوسياسية ثابتة. وما تراكض بعض دول المنطقة إلا إلى الإيحاء بأنها وريثة النفوذ المصري، مثل تركيا اليوم التي تريد فك الحصار، وتحقيق مصالحة فلسطينية - فلسطينية في أنقرة، حتى أنها دعت المصريين كضيف متفرج، إلا أن وزير الخارجية المصري رفضها قائلا: من شاء أن يأتي إلى القاهرة فمرحبا به.

وهناك من يتساءل مستنكرا: لماذا يرفض الوزير إصلاح ذات البين؟ الشك في النيات يبدو أنه السبب. فالمصريون سعوا على مدى سنوات إلى تجبير الكسر الفلسطيني وطرحوا حلولا متعددة في عشرات اللقاءات في القاهرة. لكنها فشلت.. ليس لأن الوسيط المصري بلا حلول خلاقة، بل لأن الدور المصري صار مرفوضا. وحماس نفسها لا تستطيع أن تفاوض أو توقع سياسيا دون الموافقة الخارجية.

غزة تبقى نقطة ضعف عند المصريين الذين لا يقدرون ولا يريدون تجاهلها، فقد كانت في يوم مضى من محافظاتهم، وأهلها أقرب لهم ثقافيا واقتصاديا وسياسيا، علاوة على الالتصاق الجغرافي. إنما اليوم غزة، عمليا، تابعة لإيران وسورية، ولم تعد تملك مصر فيها أي سلطة حقيقية أو معنوية. وما دام أن القطاع وقع تحت النفوذ «السوراني»، فمن الطبيعي ألا يصبح المصريون المفتاح.

وقد يبدو غريبا أن تخسر مصر نفوذها في غزة، وهي أقرب إليها حتى من الضفة. من الواضح أن سنوات العزلة في غزة، أي بعد تقلد حماس الإخوانية الحكم، أفقدت مصر تأثيرها على هذه البقعة الحساسة سياسيا، التي فيها نصف سكان فلسطين المحتلة. خسرت مصر نفوذها، ولم تسع لاستعادته إلا بلعب دور الوسيط.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يكون للإيرانيين نشطاء في غزة وكلمتهم هي العليا، وحتى إسرائيل تملك خيوطا لا يستهان بها، حيث صرح أحد المسؤولين الإسرائيليين بأن لهم خمسة آلاف عميل داخل القطاع، أما مصر الجارة فباتت خارج التأثير؟

مصر هي ضحية غزة وليس العكس، وهي في موسم التحريض ضدها، «مصر باعت غزة»، و«تشارك في تجويع الغزيين». والسخرية أن ما تفاخر به تركيا وحماس من رفع جزئي محتمل للحصار هو ما سبق أن قدمته مصر من قبل كحل لإنهاء الحصار إلا أن حماس رفضته، واعتبرت تفتيش بضائعها بمفتشين دوليين، أو فلسطينيي أبو مازن فيه إهانة لها، وقالت حينها: «نفضل الموت جوعا على الحل المذل!». اليوم كل يفاخر ببشائر نتائج قوافل الحرية برفع الحصار جزئيا. مما يعني أن الهدف لم يكن فقط فتح بوابات غزة، بل أيضا تهشيم ما تبقى لمصر من هيبة واحترام ونفوذ ومصالح.

والاحتجاج على الموقف المصري فيه تحامل ظالم. غزة ليست الأرض الوحيدة المقطوعة بأمر إسرائيلي، فالجولان كذلك وشبعا اللبنانية أيضا. على مدى أربعين عاما لا يزال ممنوعا على أهلها المتاجرة مع بلدانهم. والجانب المفتوح لهم فقط عبر الأراضي الإسرائيلية. لم تحفر أنفاق، ولم يحتج أحد. الفارق بين الأرضين أن غزة ناشطة عسكريا وسياسيا. مع هذا يوجه اللوم للمصريين لأنهم يمارسون ما تمارسه الحكومات العربية الأخرى على حدودها، مثل الأردنية والسورية واللبنانية.

[email protected]