خيال الثورة الإيرانية

TT

في الوقت الذي يمر فيه الرئيس الأميركي باراك أوباما بواحدة من أصعب الفترات كرئيس للبلاد، قد تتساءل ما الذي كان سيحدث إذا ما كان المرشح الآخر قد فاز بالانتخابات. بالطبع لن نعرف، لكن في أحد المجالات يقدم جون ماكين لنا بعض المفاتيح. كان سيحاول الإطاحة بحكومة إيران. وفي خطاب ألقاه في العاشر من شهر يونيو (حزيران) الحالي، الذي تم نشره في «نيو ريبابليك»، قال ماكين: «إننا نطلق العنان للقوة الأخلاقية الكاملة لأميركا» للإطاحة بالنظام الحاكم في طهران. ويلقي هذا الخطاب الضوء على أحد أوجه القصور المهمة في نظرة ماكين للعالم، التي يحل فيها فن الخطابة محل التحليل، ويحل فيها الخيال محل السياسة الخارجية.

وقد أصبح الأمر وكأنه شيء مثل الابتهال بين المحافظين الجدد، يقول إننا فقدنا فرصة لتغيير إيران قبل عام. وقارن رويل مارك غريتشيت في مقالة نُشرت في صحيفة «نيويورك تايمز» الأسبوع الماضي الثورة الخضراء في إيران «بما حدث وراء الستار الحديدي في ثمانينات القرن الماضي»، واتهم الرئيس أوباما بالسلبية في مواجهة هذه اللحظة التاريخية. ويتصور الكاتب بريت ستفينز في صحيفة «وول ستريت جورنال» أن الرد الغربي الأكثر قوة كان من الممكن أن يتسبب في اندلاع ثورة.

كنت أحد من أيدوا بشدة الثورة الخضراء في إيران. وكتبت عنها، وسلطت الضوء عليها في اللقاءات التلفزيونية وأبرزت أنصارها. لكنني لا أعتقد أنها من المحتمل أن تقود إلى الإطاحة بالنظام الحاكم في إيران. ولتصديق ذلك يتعين على الفرد الاعتقاد بأن الحكومة في طهران لا تحظى بالشعبية الكبيرة بين أغلبية الإيرانيين، وتقبض على السلطة من خلال القوة العسكرية وحدها، ولذلك فإنها معرضة للخطر من جانب حركة تستطيع حشد الغالبية العظمى في إيران التي تكرهها. ولا شيء من ذلك صحيح تماما.

يواجه النظام الإيراني الكثير والكثير من المعارضين، لكن لديه أيضا ملايين الأنصار. قد يكون محمود أحمدي نجاد خسر بالفعل الانتخابات الرئاسية عام 2009، لكنها كانت سباقا حصل فيه على ملايين الأصوات. الانتخابات التي تمت في إيران، والملاحظات التي أدلى بها الأفراد الذين كانوا هناك، تشير إلى أن النظام الحاكم يحظى بتأييد شعبي في المناطق الريفية، بين الملتزمين دينيا في المجتمعات الفقيرة. ويعتقد الصحافي مازيار بهاري بـ«نيوزويك»، الذي حبسته الحكومة الإيرانية أربعة أشهر بتهم ملفقة، أن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي هو الشخصية الأكثر شعبية في إيران.

ويكشف ماكين عن جهل مذهل بشأن النظام الحاكم في إيران عندما قال في خطابه إن هذا النظام «لا ينفق الموارد الثمينة لشعبه على الطرق أو المدارس أو المستشفيات أو الوظائف التي تفيد جميع الإيرانيين، لكن ينفقها على تمويل المجموعات المسلحة من المتطرفين الأجانب الذين يقتلون الأبرياء». وفي حين أن طهران لا تمول الجماعات المسلحة، فإن أحد عناصر شعبية أحمدي نجاد هي الإنفاق الكبير على البرامج الاجتماعية الموجهة إلى الفقراء. وينفق النظام الحاكم الكثير من الأموال على هذه البرامج المحلية أكثر من أي شيء بالخارج.

وتعد مقارنة الثورة الخضراء في إيران بالثورات المخملية في أوروبا الشرقية مقارنة خاطئة. ففي عام 1989 كان لدى المنشقين ثلاث قوى: القومية (نظرا لأنه تم فرض الشيوعية بالقوة من جانب قوة أجنبية)، والدين (نظرا لأن الشيوعية قمعت الكنيسة)، والديمقراطية. لدى الثورة الخضراء قوة واحدة فقط: الديمقراطية. واستفاد النظام الحاكم من تدين الشعب، لكنه أصبح أيضا ماهرا في استغلال القومية.

وفي شهر مايو (أيار) الماضي منحت لجنة مختارة، كنت شخصيا أحد المشاركين بها، أكبر غانجي جائزة ميلتون فريدمان لنشر الحرية. ويعد غانجي ممن يؤيدون بقوة التحريض غير العنيف والديمقراطية العلمانية في إيران، وتم حبسه لست سنوات في سجن إيفين حبسا انفراديا، وذلك نظرا لكتاباته المناهضة للحكومة. وأشار غانجي إلى أن السياسة الخارجية الأميركية لها تأثير على حركة الحرية الإيرانية، لكنه ليس تأثيرا كبيرا بالمعنى الذي يقصده المحافظون الجدد.

وقال غانجي: «حتى التفكير بشأن احتمالية توجيه ضربة عسكرية، خصوصا عندما تتعلق بالقضية النووية، يعد مفيدا بالنسبة إلى الأصوليين الذين يحكمون إيران. وعلى هذا النحو تعد هذه الفكرة نفسها مضرة بالنسبة للحركة الديمقراطية في بلادي». يطوّع النظام الحاكم القضايا الدولية لمصلحته الشخصية، وأصبح صريحا بشأن ما يطلق عليه غانجي «جرح فلسطين المتفجر... (الذي) يؤدي إلى تفاقم عدوى الأصولية». وأشار إلى أن طهران تذكّر الإيرانيين باستمرار بـ«المعايير المزدوجة» لأميركا في معارضة البرنامج النووي الإيراني في حين تقف صامتة بشأن ترسانة الأسلحة النووية الإسرائيلية.

ومن المفارقات أن الذين يأملون في تحرير الإيرانيين هم نفس الأفراد الذين يدعون إلى فرض عقوبات، بل وحتى استخدام القوة العسكرية ضد إيران. هل يعتقدون أنه عندما تنفجر القنابل سيتجنب أضرارها الأفراد الذين يرتدون ثوبا أخضر؟

* خدمة «واشنطن بوست»