الأحمدان

TT

في مقابلة مع الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله، سألوه عن أفضل الشعراء في نظره فقال: (الأحمدان)

وهو يقصد بذلك: (المتنبي وشوقي) - مع أن الفارق الزمني بينهما لا يقل عن ألف سنة. هذه هي وجهة نظر الشيخ الطنطاوي وهو حر فيها، وقد تجاوز بكلامه ذاك كل الشعراء في كل العصور عبر مائة قرن ليصطفي أحمد شوقي بعد المتنبي مباشرة، وهو الشاعر الذي لقب في عصره بأمير الشعراء.

ولا شك أن شاعرية شوقي لا تخطئها العين ولا الذوق ولا المشاعر، فبعض الناس خلقوا أو ولدوا لتولد صنعتهم معهم، فأحمد شوقي لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن يكون شاعرا، وشاعرا فقط. ومن حسن حظ الشعر أن الإنجليز بسبب معارضته لهم نفوه إلى إسبانيا وظل فيها من 1915 إلى 1919، ولا شك أن غربته تلك صقلت موهبته وأعطتها ألقا، وكانت منعطفا في أسلوبه الشعري، ومن هناك كتب للشاعر حافظ إبراهيم يقول:

يا ساكني مصر إنّا لا نزال على

عهد الوفاء، وإن غبنا، مقيمينا

هلاّ بعثتم لنا من ماء نهركمو

شيئا نبُلّ به أحشاء صادينا

كلُ المناهل بعد النيل آسنةٌ

ما أبعد النيل إلا عن أمانينا

فأجابه حافظ إبراهيم بقوله:

عجبت للنيل يدري أن بُلبلَه

صادٍ ويسقي رُبى مصر ويسقينا

والله ما طاب للأصحاب مورده

ولا ارتضوا بعدكم من عيشهم لينا

لم تنأ عنه وإن فارقت شاطئه

وقد نأينا، وإن كنا مُقيمينا

وذلك من شدة محبته وهيامه بمصر، وهذا ليس بمستغربٍ، وهو القائل بيتا من الشعر بمعنى لم يسبقه فيه أحد، عندما قال وهو يتغنى بوطنه:

وطني لو شُغلت بالخلد عنه

نازعتني إليه في الخلد نفسي

ورغم نزعته الدينية التي تكاد تقترب من الصوفية، والتي صاغ خلالها أروع القصائد مثل: ولد الهدى، وإلى عرفات الله، ونهج البردة، فإنه كذلك كان يتحلى بتسامح عجيب ومحبة وألفة لإخوانه الأقباط، وها هو يخاطبهم قائلا:

أَلم تكُ مصرٌ مَهْدَنا ثم لَحْدَنا

وبينهما كانت لكلِّ مغانيا؟

ألم نكُ من قبل المسيحِ ابن مريمٍ

و موسى وطه نعبُدُ النيلَ جاريا؟

فَهلاَّ تساقيْنا على حبِّه الهَوَى

وهلاَّ فديْناه ضِفافاً ووادِيا؟

وما زال منكم أَهلُ وُدٍّ ورحمة ٍ

وفي المسلمين الخيرُ ما زالَ باقيا

كما أن غيرته على قومه العرب اشتعلت بقصيدته الشهيرة ضد فرنسا والتي يقول فيها:

سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ

ودمع لا يكفكف يا دمشق

ويبلغ أعلى مراتب الغضب عندما يقول:

وللحرية الحمراء باب

بكل يد مضرجة يدق

وأختم هذا المقال بأجمل ما لحن وغنى عبد الوهاب من كلمات الغزل لشوقي عندما قال:

ما بالُ العاذِلِ يَفتح لي بابَ السُّلْوانِ وأُوصِدُه؟

ويقول: تكاد تجنُّ به، فأَقول: وأُوشِكُ أَعْبُده

مَوْلايَ ورُوحِي في يَدِه قد ضَيَّعها سَلِمتْ يَدُه

ناقوسُ القلبِ يدقُّ لهُ وحنايا الأَضْلُعِ مَعْبَدُه

[email protected]