إنها حقا سيدة العالم القديم!

TT

عندما نتحدث عن تاريخنا العظيم الممتد إلى الوراء أكثر من خمسين قرنا من الزمان.. دائما ما نتحدث عن الرجل المصري القديم والمهندس المصري القديم الذي بنى المعابد والأهرامات، أو الطبيب المصري القديم الذي قام بأول عملية جراحية في تاريخ البشرية، أو الفنان المصري القديم الذي نحت هذا التمثال العملاق وعمل النقوش والكتابات العظيمة على جدران المعابد والمقابر.. وقلما ما نذكر المرأة الفرعونية، كما لو كانت هذه الحضارة العظيمة قد بناها الرجل بمفرده، وأن المجتمع المصري القديم كان مجتمع الرجل وحده، وهذا على غير الحقيقة..

نعم هناك ظلم واضح لدور المرأة المصرية القديمة في بناء الحضارة ودورها إلى جانب الرجل، لكن الغريب أن هذا الظلم الواقع على المرأة المصرية هو من نتاج الباحثين المحدثين، وليس من مفردات الحضارة المصرية القديمة التي وضعت المرأة المصرية في مكانة راقية ومنزلة عظيمة لم تنلها أي سيدة في العالم القديم غير المصرية؛ ولذلك عندما قمت بكتابة كتابي عن المرأة الفرعونية لم أجد أحسن وأكثر دقة وإنصافا من عنوان «سيدة العالم القديم» لهذا الكتاب..

لقد تأملت في آثار الفراعنة فوجدت المرأة هي الإلهة «إيزيس» رمز الأمومة في مصر القديمة، و«حتحور» رمز الحماية، و«سخمت» رمز القوة، و«باستت» رمز الدهاء والحماية.. بل إن جزأي مصر الشمالي والجنوبي كانا ينتسبان إلى إلهة حامية هي «وادجت» و«نخبت»، هذا على المستوى الديني. أما على المستوى السياسي فكانت الملكة الزوجة هي أساس اكتمال الملكية، فكان الزواج من الأميرة صاحبة الدم الملكي هو إضفاء لشرعية الملك نفسه واكتمال لحكمه المقدس..

تحملت ملكات عبء الحكم ومساعدة أبنائهن الصغار إلى أن يشبوا ويحكموا بأنفسهم، فكانت أم الملك «ببي الثاني» هي الحاكمة الفعلية باسم ابنها إلى أن كبر وبدأ يسير الأمور بنفسه..

وهكذا كانت من قبلها الملكة «خنت كاوس الثانية» أو «خنت كاوس أبوصير» كما هي معروفة والتي حفظت الحكم لابنيها الصغيرين «رع نفر إف» و«ني وسر رع».. ومن قبلها حفظت لنا المصادر التاريخية اسم الملكة «ني ماعت حاب» التي ظلت ذكراها مئات السنين محفوظة في صدور المصريين بعد رحيلها للدور الكبير الذي قامت به لحفظ الحكم والعرش لابنها الملك «زوسر» أول ملوك الأسرة الثالثة.

وعلى امتداد التاريخ المصري القديم لم تعرف مصر سوى عدد قليل من ملكات حاكمات كان أطولهن حكما وتميزا الملكة العظيمة «حتشبسوت» التي صارت أسطورة بين نساء العالم القديم، لقد حكمت «حتشبسوت» مصر في عصرها الذهبي عندما كانت القوة الوحيدة الموجودة في الشرق الأدنى القديم..

وعلى مدار عشرين عاما حافظت «حتشبسوت» على حدود إمبراطوريتها وحمايتها، وارتدت الزي الملكي مثلها مثل ملوك مصر الرجال ونسبت نفسها إلى إله الدولة أيامها «آمون رع» التي قالت في معرض وصفها لقصة ولادتها المقدسة إنها كانت رغبة «آمون» أن تولد له ابنة تتولى الحكم وتعمر البلاد.. وبالفعل لقد عمرت «حتشبسوت» مصر وتركت آثارا عظيمة منها معبدها الجميل في حضن الجبل الغربي بالدير البحري.

تكفي زيارة واحدة إلى معبدها هذا لتشعر بمجد الماضي وعبقه الذي يملأ النفوس راحة وثقة أن الأرض يعمرها العاملون.. أما القاعدون فلن يذكرهم التاريخ.. وما زلنا مع سيدة العالم القديم..