جماليات مدينتين

TT

ما بين لندن وباريس، كانت المناسبة تاريخية حقا: مرور 70 عاما على النداء الذي أطلقه شارل ديغول إلى الفرنسيين من منفاه في لندن، من أجل مقاومة الاحتلال النازي وحكومة الماريشال بيتان، رمز الخيانة. وفي متغير الأزمان، جاء نيكولا ساركوزي إلى لندن، بدل ديغول، وكان في استقباله ديفيد كاميرون، بدل ونستون تشرشل.

الصورة الصارخة في الاحتفالات، كانت لامرأتين: سامنثا كاميرون زوجة كاميرون، وكارلا بروني، المغنية والعارضة الإيطالية، التي جعلها نيكولا ساركوزي الفرنسية الأولى، بعدما أصبح هو، ابن المهاجر الهنغاري، الفرنسي الأول، خليفة الذين بنوا الإمبراطورية وعمروا أجمل عاصمة في الغرب، بما فيها أثينا وروما.. إلا طبعا، فيينا. وما أدراك.

أزاحت صورة السيدتين من الذاكرة صور التاريخ. تحول كل شيء إلى جماليات. ولم يكن المثل الإنجليزي أكثر انطباقا كما هو اليوم: «أجمل ما في الرجل، المرأة التي تتأبط ذراعه». جمال فوق العادة بكثير. فليسترح التاريخ قليلا، لأنه أكثر من يملك الوقت. لا أحد يملك من الوقت ما يملك. في عملي الصحافي الذي بدأته من باريس، كنت أكتب بمتعة عن «العمة إيفون» زوجة ديغول. وعن صرامتها في تربية أحفادها. وعن منعها أحد الوزراء من حفلات الإليزيه لأنه طلق زوجته. ليس من شأني الكتابة عن المدام ساركوزي أو أغنياتها وصورها المبالغة في الصراحة. لكن صورة السيدتين في 18 يونيو (حزيران)، صارخة حقا. لو نزعت من الصورة الرجلين، لخُيّل إليك، أنك أمام لوحة، أمضى رسامها أعواما في خلط الألوان وتأمل الزهر على الفساتين.

للمرة الأولى، أو لمرة نادرة، كانوا على حق، أولئك الذين فضلوا الكتابة عن 18 يونيو 2010، وليس حاكمي فرنسا وبريطانيا، بل المصمم الذي طوى في هذين الثوبين هاتين القامتين. مسكينة زوجة توني بلير، بعينيها الفارغتين، كم سيبدو الفارق مزعجا في داونينغ ستريت! وربما أيضا بالنسبة إلى المستر بلير، الذي أوكلت إليه القضية الفلسطينية وبؤسها، فإذا بالسيد سيف الإسلام القذافي يقول لصحف بريطانيا إن وريث قضية لوكيربي يعمل في خدمة الجماهيرية العظمى برتبة مستشار.

إذا كان ذلك صحيحا فالازدواجية البريطانية ليست أقل من ازدواجيات ورباعيات ومربعات لبنان: فلماذا ينكر على جورج غالاواي الإبحار الغذائي إلى غزة ويكون بلير أول رئيس وزراء غربي يزور خيمة العقيد في سرت بعد تسوية موضوع لوكيربي. هل تلاحظون شيئا؟ ما إن انحرفنا إلى السياسة حتى دخلنا الغضب والعتب. فلنعد إلى جماليات 18 يونيو 2010.. أجمل ما في الرجل المرأة التي تتأبط ذراعه. قال المثل.