المتضامنون الأجانب.. المرآة الأخلاقية للغرب

TT

الصورة النمطية السلبية المعروفة لدينا نحن العرب والمسلمين عن الغرب الأوروبي والأميركي خصوصا مغروسة في أذهاننا منذ نعومة أظافرنا، ولم تكن هذه الصورة مطبوعة من فراغ، بل هي نتاج الحروب والصراعات التاريخية والحالية مع هذا الغرب، وتتعزز هذه الصورة بسبب الاحتلال الصهيوني الذي هو الآخر نتاج سياسات بعض الدول الأوروبية والأميركية وحتى الاتحاد السوفياتي سابقا.

وقبل الخوض في هذه العلاقة علينا أن نحدد المقصود بالغرب (العدو) عندنا، الذي يمكن تقسيمه إلى ثلاث درجات تبعا للعلاقات التاريخية:

الأولى بالتأكيد الدول الأوروبية الاستعمارية الأساسية (بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا) بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأميركية. وبدرجة ثانية دول أوروبا الشرقية وروسيا بسبب الاحتلال السوفياتي سابقا لأفغانستان والحرب الروسية على الشيشان ومعاناة مسلمي البوسنة والهرسك. وبدرجة ثالثة ألمانيا لمشاركتها في الحرب بأفغانستان، والدول الاسكندنافية وتتركز الذهنية هنا في الدنمارك التي دخلت بشكل كبير في الصورة السلبية بسبب الرسوم المسيئة للنبي محمد (عليه الصلاة والسلام).

وبخصوص الدول الغربية الأخرى فهي دول صديقة، ولا تدخل في الصورة الذهنية المطبوعة عندنا عن الغرب، ولها علاقات جيدة مع العرب والمسلمين، خاصة أنها تعرضت لاحتلال واستغلال من الدول الاستعمارية، مثل كوبا التي تتعرض لحصار أميركي بمباركة بعض الدول الأوروبية، وهي دولة تربطنا معها مصالح مشتركة وعلاقات صداقة متجذرة، كذلك دول أميركا اللاتينية.

وللخوض في غمار الموضوع، أثبتت بعض الجماعات والمنظمات الغربية التي تنتمي للدول الغربية عموما وجود وجه آخر للغرب (العدو)، وظهر هذا الوجه بوضوح خلال حملة أسطول الحرية لكسر حصار غزة، الذي ضم مئات المؤسسات والأشخاص الغربيين من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وغيرها، والذين وضعوا أرواحهم على أكفهم من أجل عدالة قضيتنا ورفضا للظلم النازل علينا في غزة، بل وتعدى عملهم الكثير منا، وكانوا محفزا للعرب والمسلمين للتحرك من أجل غزة، وخير مثال لذلك راشيل كوري رمز المتضامنين الأجانب التي ضحت بحياتها دفاعا عن القضية الفلسطينية.

هذا الفعل الغربي المناصر لقضيتنا والذي يمثل فئة كبيرة من مجتمعات الغرب يدل على أن الصورة النمطية المزروعة في أذهاننا عن الغرب (العدو) آن لها أن تتغير، والفئة التي لها عداوة معنا وتدعم الظلم الصهيوني ضدنا لا تمثل الجميع في هذا الغرب، على الرغم من كونها السلطة العليا وصاحبة القرار، وهذا لا يعني ألا يكون لنا حلفاء بالحق والعدل في هذه المجتمعات، فحلفاؤنا هؤلاء استطاعوا تغيير قواعد اللعبة، وبسببهم تغيرت المواقف الرسمية نسبيا لبعض دول الغرب (العدو) والدول الأوروبية، ففي النرويج مثلا، قاطعت مدن وأقاليم كثيرة بضائع المستوطنات قبل أن تقاطع في فلسطين، والشيء نفسه حدث في مدن أوروبية أخرى، ولا تتسع هذه السطور لذكر الأمثلة الكثيرة من مقاطعات أكاديمية وتجارية وسياسية للكيان الصهيوني في أوروبا والولايات المتحدة بسبب الممارسات العدوانية.

هذه فرصة لا تفوت من أجل تغيير الواقع، ومن أجل بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وهذا التضامن الغربي والعالمي مع القضية الفلسطينية يجب أن يتطور ويكبر، ويكون رمزا تاريخيا للعدالة العالمية الإنسانية، والذكاء في استثمار كل ذلك لبسط العدل والوقوف مع القضايا العادلة في العالم، حيث استطاعت حملة أسطول الحرية إجبار حكومات كثيرة على العمل فعليا لرفع الحصار الظالم عن غزة المستمر منذ أكثر من أربع سنوات.

هناك حركة تضامن عالمية من أجل فلسطين تكبر يوما بعد يوم، وهذه الحركة هي غربية فعلا، على الأقل هي تقود الحركة العالمية للدفاع عن القضية الفلسطينية، وما يقوم به المتضامنون الأجانب مرآة كانت مخفية وراء الكواليس، لكنها اليوم ظهرت وتعكس صورة جديدة للغرب عموما، وبدورنا نحن كفلسطينيين وعرب ومسلمين، علينا أن نعمل لتعزيز العلاقات مع هذه الفئة الغربية التي أظهرت وجها أخلاقيا مشرقا للغرب الذي طالما رأيناه ظالما ومظلما.

* كاتب فلسطيني