أحزان الولاية الثانية في طهران

TT

الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة لأغا محمود، فبعد عام على فوزه الكاسح بفترة رئاسية ثانية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، يواجه محمود أحمدي نجاد ما يطلق عليه المعلقون السياسيون «أحزان فترة الانتخاب الثانية».

تقلق هذه المعاناة الخاصة تقريبا كل رئيس يعاد انتخابه لفترة ولاية ثانية. وبما أنهم قد أُعيد انتخابهم بناء على وعد بأن «الأفضل قادم»، يدركون سريعا أن هذا الأفضل لن يتحقق.

خذ على سبيل المثال بعض الأمور البسيطة المتعلقة بالرئيس أحمدي نجاد، فقد وعد بالقيام بجولة تصالحية تشمل عشرين محافظة من محافظات إيران الثلاثين، من أجل رأب الصدع الذي تسبب فيه إعادة انتخابه المتنازع عليه، لكنه عاد ليلغيها عندما تبين له أن المعارضة، التي تفرض السكون، قد تستغل هذه الجولة لصالحها. كما ألغى أيضا اجتماعا حاشدا كان قد وعد به يجمع فيه رجال النظام البارزين لكي يعانق كل منهم الآخر ويسامح كل منهم الآخر، فعدد كبير منهم ما زالوا يرفضون الاعتراف بإعادة انتخاب أحمدي نجاد ولا يشيرون إليه كرئيس في أحاديثهم.

الأسوأ من ذلك أن بعض أعضاء النظام لا يستطيعون عقد اجتماعات دورية بسبب النزاع القائم حول الفائز في انتخابات العام الماضي. حاول الرئيس أحمدي نجاد الشهر الماضي تشتيت الانتباه بعيدا عن الأزمة الداخلية، فأعلن عن إرسال وشيك لسفينة تحدٍّ للحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة. إلا أنه عاد فألغى الرحلة كاملة، وأوضح في تصريح منمق أن الأوضاع على الساحة الدولية لا تحبذ إرسال السفينة الآن.

وكان أحمدي نجاد قد زعم أن القوى المتحالفة مع إيران ستفوز بالانتخابات العامة في العراق، وستكون هذه القوى بمثابة الظهير الحامي للجمهورية الإسلامية. لكن هذا ما لم يحدث. وأصبح من المرجح بروز العراق كقوى مستقلة غير مهتمة بخدمة الطموحات الإقليمية للنظام الخميني.

هناك المزيد من الأخبار السيئة لأحمدي نجاد. فالمناورة التي أعدها مع البرازيل وتركيا لتقسيم مجلس الأمن فشلت في وقف فرض مجموعة العقوبات الدولية الأشد حتى الآن على الجمهورية الإسلامية، وتبعت العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة عقوبات أشد من جانب الاتحاد الأوروبي. كان أحمدي نجاد قد وعد الإيرانيين بأنه لن تفرض عليهم عقوبات أخرى. الآن وبعدما فُرضت العقوبات، يزعم نجاد أنها ستكون عديمة الأثر، على الرغم من أن أثرها بدأ في الظهور بالفعل.

أضف إلى ذلك أن «خط أنابيب السلام» الذي هلل له أحمدي نجاد كثيرا، والذي كان من المفترض أن ينقل الغاز الطبيعي الإيراني، بقيمة 4 مليارات دولار، إلى باكستان والهند، يبدو أنه سيظل حلما. فقد انسحبت الهند وباكستان من المشروع التزاما منهما بالعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران. وألغيت أيضا سلسلة من الاتفاقات مع شركات غربية وآسيوية لتنمية احتياطات الغاز في جنوب برس، وبالتالي تم إسناد المشروع كاملا إلى الحرس الثوري الإيراني، الذي - ولأسباب معروفة - يفتقد الخبرة لتنفيذ مشروع مثل هذا.

وعد أحمدي نجاد أيضا بأن تحقق إيران اكتفاء ذاتيا من البنزين قبل انتهاء فترة ولايته الثانية، وذلك عن طريق إنشاء 12 مصنع تكرير جديدا. وكان من المفترض أن يبدأ العمل في هذه المصانع في شهر أغسطس (آب). الآن، من الواضح أنه لن يتم بناء أي مصفاة في أي وقت قريب، فالشركات الأجنبية ذات الخبرة ترفض تحدي العقوبات التي تفرضها الأمم المتحدة. حتى شركة البترول الوطنية النمساوية، التي تجاهلت بعض العقوبات السابقة، قررت الآن أن تلتزم بقوانين اللعبة وتُبعد نفسها عن الجمهورية الإسلامية.

وبمعدل نمو يقترب من 2% ومعدل بطالة مرتفع، حيث يفقد 3000 شخص وظائفهم يوميا طبقا لإحصاءات وزارة العمل الإيرانية، فإن فترة ولاية أحمدي نجاد الثانية لم تحقق بداية ناصعة على الجبهة الاقتصادية.

أما بالنسبة لبرنامج الخصخصة الذي روج له كثيرا، أصبح الأمر كله على ما يبدو أكبر عملية سلب يقوم بها الحرس الثوري. فخلال الشهور العشرة الماضية أصبح الحرس الثوري المالك الرئيسي لكبرى الشركات الاحتكارية العامة. وتمارس عملية التملك من خلال عدد من الشركات المملوكة أو التي تدار بواسطة عدد من قادة الحرس الثوري والقائمين بأعمالهم. دفعت هذه الشركات 7 مليارات دولار كثمن لأصول تزيد قيمتها عن 25 مليار دولار. وهذا ليس كل شيء، فرأس المال المستخدم في عملية الشراء جاء من البنوك العامة في شكل قروض بفوائد منخفضة تسدد من أرباح الشركات. أي أن مجموعة صغيرة من ضباط الحرس الثوري أصبحوا مليارديرات بين عشية وضحاها. بعض الإيرانيين يصفون برنامج الخصخصة بأنها «أكبر عملية نهب تتم في تاريخ إيران منذ الغزو المغولي في العصور الوسطى». وربما تسعد عبارة «عظم نهب» الصفوة في الحرس الثوري، لكنها أغضبت بعض الملالي ذوي النفوذ الذين يقضون الجزء الأكبر من أوقاتهم في القيام بالأعمال التجارية بدلا من الانشغال بالشريعة. هؤلاء الملالي استغلوا سقطة أحمدي نجاد حول الحجاب أوائل هذا الشهر. عندما أعلن عن ملاحقة النساء اللاتي يظهرن جزءا من شعرهن خارج غطاء الشعر المفروض عليهن. وعندما حاول أحمدي نجاد التراجع، قائلا إن ذلك سيتم عن طريق عمل ثقافي وتعليمي وليس عبر الجَلد والسجن، هاجمه الملالي المتشددون لما أبداه من «تساهل». أحد رجال الدين والأعمال، آية الله أحمد جناتي، زعم أن أحمدي نجاد حاول تحدي الإرادة الإلهية.

على مدار ما يقرب من عقد، كانت السمة الرئيسية للسياسة الإيرانية هي الانتقال التدريجي والمستمر للسلطة من رجال الدين إلى العسكر. وقد دُفع بأحمدي نجاد إلى الرئاسة على أمل أنه يجعل عملية الانتقال أكثر سرعة وسلاسة.

وصول نجاد غير المتوقع إلى هذا المنصب والدور التاريخي الكبير، جعل أحمدي نجاد، وهو رجل استعراض محبط، يثير سلسلة من الاضطرابات الداخلية والخارجية التي تسببت بدورها في تعقيد عملية الانتقال.

قد يكون من المبكر جدا إزاحة أحمدي نجاد قبل انتهاء ولايته الثانية. لكنّ شيئا واحدا هو المؤكد: الأعوام الثلاثة القادمة من المرجح أن تكون الأطول والأكثر أحداثا في الولاية الثانية لأي رئيس من رؤساء النظام الخميني.