الدول منزعجة من «الفوفوزيلا»

TT

هذا هو السبب في أنني أحب كأس العالم: فكل أربعة أعوام تخلق بيئة يتم السيطرة عليها تماما، ويتم فيها إلقاء الضوء على الخصائص الوطنية في كل دولة بصورة مفاجئة ويتم المقارنة بينها بسهولة. لا يوجد أي شكل من أشكال الفوضى التي توجد في الأولمبياد، والتي تحتوي على مزيج من الرياضات وبث تلفزيوني منحاز إلى الدولة المضيفة. لكن كأس العالم تضم رياضة واحدة، يشاهدها الجميع في نفس الوقت، ويكون لهم نفس مجال الحديث حولها. وفي هذا العام، يدور الحديث حول الإخفاق في إنقاذ الأهداف، والطلبات غير المنصفة لضربات الجزاء، و«الفوفوزيلا».

وبالنسبة إلى الذين لا يتابعون البطولة، أقول لهم إن الفوفوزيلا هي بوق طويل قليلا مصنوع من البلاستيك يصدر صوتا عاليا، وهي شيء يشبه صفارة كبيرة الحجم. وعندما يقوم آلاف الأفراد بالنفخ في هذه الأبواق في نفس الوقت، فإنهم يصدرون أصواتا عالية للغاية، هذا الصوت يشبه الصوت الصادر عن سرب ضخم من النحل. وعندما يتم استخدام هذه الصفارات في استاد كرة القدم في بطولة كأس العالم، فإنها تصدر طنينا مزعجا في الخلفية، وهذا الصوت كاف لإتلاف أنظمة الصوت في مليار جهاز تلفزيون حول العالم.

وفي الولايات المتحدة، تفاعلنا نحن الأميركيين بصورة عملية مع هذه الضوضاء، وتعاملنا مع الفوفوزيلا على أنها سمة أجنبية غريبة إلى حد ما تضاف إلى لعبة أجنبية، وقدمنا بصورة سريعة النصيحة الفنية على الإنترنت للأفراد الذين يريدون منع هذه الضوضاء. لكن بالنسبة إلى الألمان، تسبب الفوفوزيلا مشكلة أدبية. غضب البعض وطالب بحظرها. ويصف آخرون هذه الأبواق البلاستيكية بأنها «أدوات تقليدية لكرة القدم في جنوب أفريقيا»، ويعارضون الحظر، على أساس أن ذلك من شأنه الإشارة إلى ازدراء أوروبي غير مقبول للثقافات الأخرى. ونددت صحيفة «دي فيلت» الألمانية التي تنتمي إلى يمين الوسط «بتعصب الأفراد المنزعجين من الفوفوزيلا» ونصحت قراءها بالتسليم بأن «الفوفوزيلا تنتمي إلى كرة القدم في جنوب أفريقيا مثل أغاني المعارك في الألعاب الألمانية». أما صحيفة «دي تاغيس تسايتونغ»، المنتمية إلى يسار الوسط فدعت قراءها إلى حل بسيط وهو «كتم الصوت» في أجهزة التلفزيونات الخاصة بهم، إذا لم يستطيعوا قبول هذه العادة الأجنبية. ويتجه علماء الآثار الألمان والمتخصصون في الأنثروبولوجيا بالفعل إلى جنوب أفريقيا لبدء البحث عن المصادر القديمة للبلاستيك الملون.

وفي فرنسا تمثل «الفوفوزيلا»، على النقيض، مشكلة فنية: إذا لم تكن تستطيع حظرها، فاعمل على دمجها في قائمة الآلات الفنية. ودعت صحيفة «لو موند» إلى التعامل مع هذا البوق البلاستيكي على أنه أداة شعبية أصيلة، بل وزودت قراءها على الإنترنت بوصلات إلى مقاطع موسيقية للفوفوزيلا من تأليف عازفين مشهورين، أشهرهم عازف موسيقي ومدرس إسباني مقيم في كيب تاون. ودمجت صحيفة «ليبيريسيون» الأسبوع الماضي هذا المصطلح في نقدها الفني أيضا، وقالت إنها «فوفوزيلا الفن المعاصر».

وبالنسبة إلى الشعب في كوريا الجنوبية، تمثل الفوفوزيلا قضايا معقدة متعلقة بـ«الإتيكيت». وقال أحد كتاب الأعمدة في هذا البلد إن أي حظر صريح سيمثل إهانة للدولة المضيفة. لكن من الممكن استخدام أدوات «تقليدية» أخرى. وأضاف: «في بعض الأحيان، عندما يظهر العازفون على الآلات الموسيقية في الاستاد على شاشات التلفزيون، فإنني أتمنى سماع الصوت الذي يصدرونه». وفي محاولة لطيفة منه للإقناع، قال: «بكل إخلاص، أتمنى أن ينحي أصدقاؤنا الأفارقة هذه الأبواق جانبا، ويستخدموا أدوات أخرى». ومع ذلك إذا أخفق الإقناع في الوصول إلى غايته، «يستطيع الفرد أن يجد العزاء في الحقيقة التي تقول إن المباريات ستنتهي في غضون ثلاثة أسابيع».

أما بالنسبة إلى الناس في كوريا الشمالية، فلا نعرف ما الذي يفكرون فيه: فعلى الرغم من أن وكالة الأنباء الرسمية في البلاد أكدت أن المنتخب الوطني يلعب في الحقيقة في كأس العالم، فإنه لا يوجد هناك أي معلومات إضافية، سواء حول الفوفوزيلا أو الشائعات بأن بعض اللاعبين حاولوا الفرار من معسكر الفريق.

وبالطبع، هذا النوع من التكتم غير مقبول في بريطانيا، التي اتهمت فيها الصحف الشعبية هذه الآلات بأنها تسبب فقدان السمع، بل وحتى انفصال القصبة الهوائية. وتقول بعض التقارير إن المتاجر البريطانية تبيع هذه الآلات، وإنها أرسلت لشراء عشرات الآلاف منها. ومن المتوقع أن تصل هذه الآلات لتدمر موسم كرة القدم في الخريف المقبل، ومن المحتمل إلى الأبد.

وبالطبع، هذا الغزو من الفوفوزيلا لن يأتي من جنوب أفريقيا. بالنسبة إلى بعض الدول، لا تعد الفوفوزيلا مشكلة، بل فرصة. فبدلا من الشكوى من الضوضاء - أو مثل حارس المرمى الأرجنتيني الذي حمل الضوضاء مسؤولية أخطاء البعض - قام الصينيون بتصنيع هذه الآلات بأعداد كبيرة، حيث جرى شحن ملايين الفوفوزيلا من تشجيانغ وقوانغدونغ إلى جنوب أفريقيا، والمزيد في طريقه إلى بقية أنحاء العالم. ورفع «مصنع قوانغدا للألعاب» في يي وو بالفعل إنتاجه إلى 200 ألف في اليوم، وفقا لأحد التقارير، وقالت مالكة المصنع إنها ستواصل الإنتاج طالما أن هناك طلبا في الأسواق.

* خدمة «واشنطن بوست»