ماذا يفعل شعر الحرنكش في بهو البهاوات؟

TT

تنقل أحمد فؤاد نجم في سجون كثيرة وفي فقر كثير، وفي زيجات كثيرة. تسع سنوات في سجن عبد الناصر، وتسع في سجن أنور السادات. ولما جاء حسني مبارك، بدا وكأنه من بين القرارات المسبقة التي اتخذها ألا يرسل أحمد فؤاد نجم إلى السجن، بل يتركه طليقا في جلابيته الداكنة المليئة برائحة السجائر وآثار الشعر الحرنكشي.

والحرنكشية تعبير مصري من الشوارع التي سار فيها أحمد فؤاد نجم، يتأمل فقراءها، ويراشق أغنياء الشارع المقابل. وبدا أنه وعد نفسه وعدا (بالإذن من فيروز) بأن يظل «سفير الفقراء»، وهجّاء الرؤساء والأغنياء. وفي الماضي كان أحمد فؤاد نجم يكتب الحرنكشيات و«السيد إمام» يغنيها، تماما كما كان يفعل شعراء «التروبادور» والقوالون الجوالون في القرون الماضية. لكن منذ غياب شريكه الضرير المرير، اكتفى نجم «بالإنترنت»، النقيضة العصرية المطلقة لرجل متمسك بأوائل القرن العشرين.

أدرك أنه إذا خرج من صورته ومن صوته ومن فلفله فلا مكان له. لذلك لازم بيته وعاداته وجلابيته، ولم يطبق قانون التغيير إلا على الزوجات، سواء سعدن بالزواج أو بالطلاق. لا نعرف الآن ماذا حدث. لا نعرف لماذا قرر «سفير الفقراء»، وقد جاور الثمانين أو جاوزها، أن ينضم إلى «الوفد»، حزب الباشاوات والبهاوات والأفندية. ولما أحيي حزب «الوفد» حرص زعيمه الراحل فؤاد سراج الدين على الظهور دائما بقرنفلة وسيجار هافاني عريض. والذين يعرفونه كانوا يعرفون أن الباشا يعيش في فيلا قاسية، وأنه غير قادر على رتق أثاث البيت، لكنه أصر على السيجار الذي جرده منه عبد الناصر. والغريب أنه كانت للباشا دراية وموهبة في فن الديكور. وقد كلفه أصدقاء، مثل محمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ، بتزيين منازلهم، من أجل أن يقدموا للرجل مساعدة من دون المس بكرامة ماضيه قبل الحراسة والتأميم.

وقيل في رثاء الرجل المعاند إنه انطفأ، فيما بقي سيجاره يوزع الروائح من النافذة. إلى هذا الحزب قرر أحمد فؤاد نجم الانضمام ومعه سيجارة الـ«ميريت» والجلابية البنية القديمة. وربما قدم كأوراق اعتماد آخر الحرنكشيات في نقد كل من وقعت عليه عيناه من باشاوات المال. أما الوفد فباشاوات من دون مال، لن يزيدوا في فقر الشاعر ولن ينقص من ثرواتهم.