عندما تتلاشى العظمة!

TT

لقد ضيعنا الكثير والكثير من الفرص الكبرى على مدار السنوات الكثيرة الماضية. ففي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، عندما اصطفت معظم دول العالم وراء تأييد الولايات المتحدة، كان لدى الرئيس السابق جورج دبليو بوش الفرصة لقيادة جهود دولية تعاونية كبرى لمكافحة الإرهاب، وإرساء أسس عالم يحظى بمزيد من الأمن والسلام. لكنه ضيع هذه الفرصة بغزو العراق.

وفي أعقاب إعصار كاترينا المأساوي، لم تكن أمامنا فرصة فحسب، بل كان أمامنا التزام لدعوة أفضل المواهب لدينا من أجل إعادة بناء مدينة نيو أورليانز التاريخية على نحو إبداعي. وكان من الممكن أن يؤدي ذلك إلى بدء عملية ترميم كبرى للبنية التحتية في البلاد، وكان من الممكن أن يكون بمثابة بداية لسياسة عمرانية جديدة هناك حاجة ماسة إليها. وعلى الرغم من تعهد الرئيس بوش بالقيام «بتحرك جريء»، وذلك أثناء ظهوره في لقاء تلفزيوني في الحي الفرنسي بالمدينة، الذي أذيع في جميع أنحاء البلاد وتم تنظيمه بعناية، فإننا لم نفعل شيئا من هذا القبيل.

ولقد قدم لنا انهيار الاقتصاد أثناء فترة الكساد الكبير أقوى دليل يمكن تصوره على فشل النظام الاقتصادي القائم على سياسة عدم التدخل والقوة التدميرية لتحالف الشركات الكبرى والحكومة ضد مصالح البسطاء من الأميركيين. وتمت الدعوة إلى التغيير الجذري (يفكر الفرد في غضب فرانكلين روزفلت من «الملكيين الاقتصاديين» وتأكيده على «أننا نحتاج إلى إصلاح مواطن الخلل الموجودة في النظام الاقتصادي لدينا التي نعاني منها الآن، حتى لو اضطررنا إلى القيام بتغييرات جذرية»).

لكن لم يكن هناك أي تغييرات جذرية، ولم يكن هناك سوى الحذر والخوف من مواجهة المزيد. وظل الملكيون منتصرين، ويتلقى الأناس العاملون ضربة مدمرة تلو الأخرى. وهناك أكثر من 1.2 مليون فرد من العاطلين عن العمل لفترة طويلة معرضين إلى فقدان إعانات البطالة الشهر الحالي.

وحملت كارثة النفط الرهيبة في خليج المكسيك فرصة أخرى. ففي خطابه إلى البلاد من المكتب البيضاوي الأسبوع الماضي، وضع الرئيس أوباما سياسة درامية جديدة في مجال الطاقة للولايات المتحدة، حيث دعا جميع الأميركيين إلى الاضطلاع بدورهم لمساعدتنا في الهروب من هذا الدمار الغادر والمتواصل، الذي جاء نتيجة لاعتمادنا المفرط على الوقود الأحفوري. لكنه اختار ألا ينتهزها.

إننا كدولة أصبحنا معتادين أكثر وأكثر على الشعور بالعجز. ولم نعد نهب للتعامل مع التحديات الكبرى التي تواجهنا. إن الأمر لا يتعلق فقط بعدم مقدرتنا على وقف التسرب النفطي، الذي يعد بمثابة استعارة مثالية للوضع الذي نحن فيه. لا يبدو أننا نستطيع القيام بالكثير من أي شيء.

تستخدم مدينة ديترويت الأموال الفيدرالية لهدم آلاف المنازل الخاوية، لتستسلم بذلك إلى شعور من اليأس يقول بأنه لا توجد وسيلة لإعادة بناء المدينة، لذا دعنا نفعل النقيض: دعونا ندمر المزيد منها. دعونا نفعل ذلك!

هناك خطط كثيرة لهدم أجزاء كبرى مما تبقى من ديترويت، التي كانت في أوجها رمزا لأميركا التي كانت لا تزال قوة بناءة، ومكانا استطاع أن ينتج أشياء وأن يحسن من معيشة الأناس الذين يعيشون فيه وأن يعمل كمصدر إلهام لبقية العالم.

وبالإشارة إلى سمة من سمات إحدى هذه الخطط، كتبت سوزان سولني في صحيفة «نيويورك تايمز» في مقال نشر يوم الاثنين الماضي: «تقول الخطة إن أي منزل حضاري - أحد الأجزاء الأكثر شعبية في الخطة - سيكون بمثابة العيش في الريف عبر المدينة، حيث سيستمتع مالكو المنازل ببيئة زراعية وضرائب أقل مقابل الانقطاع عن بعض خدمات المدينة مثل المياه».

وكان عنوان قصة الغلاف في عدد مجلة «تايمز» الذي يصدر يوم 28 يونيو: «الولايات المفككة الأميركية». وكما ذكرت هنا مرات كثيرة، تواجه الولايات وضعا ماليا كارثيا يعوق تقديم الخدمات الأساسية، ويخلف مزيدا من العاطلين عن العمل، ويقوض الانتعاش الاقتصادي الضعيف على المستوى الوطني.

وكما ذكرت مجلة «تايمز»: «المدارس والخدمات الصحية والمكتبات - والمرتبات بها - جميعها على لوحة التقطيع، في الوقت الذي تواجه فيه الولايات أسوأ أزمة نقدية منذ الكساد الكبير».

إننا نستسلم لهذه الأزمة بالافتقار نفسه المثير للشفقة إلى الابتكار والعقلية العاجزة التي يبدو الآن أنها الوضع الافتراضي للأميركيين في القرن الحادي والعشرين. لقد أصبحنا دولة على مستوى جيد في التدمير - في ظل الحروب في الخارج والسياسات المربكة والمدمرة للذات في الداخل - لكنها نسيت كيف تبني مجتمعا مزدهرا وتحافظ عليه. إننا نقوم بتفكيك نظام المدارس العامة لدينا، وبشكل لا يصدق نهاجم نظام التعليم العالي الذي نطبقه والذي حقق نجاحا مذهلا ويعد أفضل نظام في العالم.

كيف يمكن أن ندع ذلك يحدث؟!

لقد حصلنا على جميع أنواع التفسيرات المؤسفة للسبب في أننا لا نستطيع القيام بأي من الأمور التي نحتاج إلى فعلها. لا يستطيع الديمقراطيون الحصول على 60 صوتا في مجلس الشيوخ. والعجز في الميزانية كبير للغاية. وقد يعترض راش ليمبو أوغلين بيك.

وعلى الجانب الآخر، فإن عظمة الولايات المتحدة، التي لم يقدرها الكثيرون لفترة طويلة، تتلاشى بصورة مطردة.

* خدمة «نيويورك تايمز»