الرياض.. والدبلوماسية المستدامة

TT

مفهوم التنمية المستدامة هو مصطلح تنموي جديد له عدة تعريفات، فالبعض ينظر إلى الاستدامة كنموذج تنموي لإصلاح سياسات وخطط النموذج الصناعي الرأسمالي وعلاقته بالبيئة. كما يعرف البعض الآخر التنمية المستدامة، بأنها ترشيد استخدام الموارد الطبيعية بما يؤمّن استدامتها وسلامتها دون أن يؤثر ذلك الترشيد سلبا على نمط الحياة وتطوره.

لقد حدد تقرير الموارد العلمية، الذي نشر عام 1992، عشرين تعريفا للتنمية المستدامة، تم تقسيمها إلى أربع مجموعات: اقتصادية، بيئية، اجتماعية وإنسانية، تقنية وإدارية. إلا أن أهمية الاستدامة كمفهوم لتقدم المجتمعات والدول والاقتناع بأنها خيار استراتيجي مهم لاستقرار الدول ورفاهية الشعوب - يحتم علينا أن لا نقصر استخدامات هذا المفهوم على التعريفات المذكورة، بل علينا أن ننظر إلى إمكانية أن ندرس هذا المفهوم ونطبقه على الكثير من نشاطات الدول والمجتمعات، ومن أهم هذه الأنشطة النشاط الدبلوماسي، والتحقق من مدى قدرة هذا النشاط على تأكيد سيادة الدولة على ثرواتها ومواردها الطبيعية وضمان الاستقلال الحقيقي لها في مسيرتها السياسية، والبعد قدر الإمكان عن بؤر الصراع والتوترات السياسية، مما يسهم في استقرار الدولة والمجتمع.

ولتحقيق دبلوماسية مستدامة، هناك شروط لا بد من توافرها في النشاط السياسي للدولة، ومنها:

1) وجود دبلوماسية نابعة من رحم وثوابت الدولة، الدينية، الاجتماعية، السياسية.

2) عدم تجاهل البعد الاجتماعي والمحددات البيئية المحلية ذات التأثير على علاقات الدولة الدبلوماسية مع الغير.

3) وجود رؤية دبلوماسية واضحة ومستقرة للدولة مبنية على الاحترام المتبادل مع الدول كافة.

4) عدم التدخل في شؤون الغير وعدم القبول بتدخل الغير في شؤون الدولة.

5) تطوير العلاقات الدبلوماسية مع الدول لتوطيد علاقات الدولة الاقتصادية وغيرها من علاقات، مما يسهم في الاستقرار الاقتصادي ورفاهية المجتمع إلى أقصى حد.

6) تحسين صورة الدولة لدى شعوب الدول الأخرى من خلال المشاركات والفعاليات الثقافية المتبادلة.

7) الإسهام في الاستقرار العالمي من خلال إيجاد قنوات تواصل مع الحضارات كافة من خلال الحوار المتبادل بين هذه الحضارات.

8) عدم المخاطرة بإجراء تغييرات كبيرة ومفاجئة في السياسات الخارجية للدولة.

ويمكننا أيضا النظر إلى الاستدامة، من المنظور التنموي السياسي على أنها النمو المسؤول للعلاقات بين الدول، أي النمو الذي يتحقق بالتقاء المصالح المشتركة بين هذه الدول، لتسهم هذه المصالح في استقرار ورفاهية شعوبها، من خلال تعزيز علاقاتها الدبلوماسية بشكل عقلاني متوازن يسمح بتلبية متطلبات هذه العلاقات، مع الحفاظ على مصالح الأجيال القادمة.

والمتتبع للدبلوماسية السعودية منذ قيام الدولة الحديثة على يد الملك عبد العزيز عام 1932 وصولا للعصر الحاضر 2010 في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، رغم الأزمات العالمية والإقليمية المتتابعة التي واجهتها السعودية، بدءا من الحرب العالمية الثانية عام 1939 - 1945 وانتهاء بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما مثلته تلك الأزمات من تحديات دبلوماسية كبرى للسعوديين، فإن الدبلوماسية السعودية استطاعت، وباقتدار غير مسبوق، تحقيق تلك الشروط لتكون الرياض رائدة في تبني تلك الدبلوماسية المستدامة.