ما في حدا.. لا تندهي!

TT

وكأن الهم اللبناني البيني وخلافات اللبنانيين أنفسهم الداخلية ليست كافية، يعرف اللبنانيون كيف يضيفون هموما جديدة على حياتهم ويزيدون أعدادا جديدة في خانة الغاضبين عليهم! وآخر من انضم إلى هذه القائمة المجيدة هم السودانيون. أهل السودان بالإجماع العربي هم شعب طيب ومسالم وهناك أعداد ليست ببسيطة منهم تعيش في لبنان لكسب الرزق وتعمل في مجالات مختلفة بجدارة واحترام، وهي مجالات تقاعس عن القيام بها اللبنانيون أنفسهم وأوكلوها إلى غيرهم وهم يتذمرون من البطالة وانعدام فرص العمل! وفي الأيام الماضية ألقى الأمن العام اللبناني القبض على مجموعة من العمال السودانيين وسرت أخبار كثيرة عن معاملة قاسية حصلت من بعض رجال الأمن اللبناني بحق المقبوض عليهم.

ونشرت الأخبار وقامت سلسلة متواصلة من الاتهامات والاستنكارات من السودانيين وبعض اللبنانيين تطالب الحكومة والأمن العام بتوجيه اعتذار رسمي بحق المعتقلين، وتحججت الحكومة اللبنانية أولا بأنها ستقوم بالتحقيق والتأكد من الوقائع وبعدها رفضت الاعتذار. ويأتي هذا الفصل الجديد من الدراما اللبنانية بعد «استعراض» باخرة كسر الحصار على غزة التي أطلقت من السواحل اللبنانية في مشهد «مهضوم» بين فرقاء يحاولون تبني الفكرة وبالتالي استثمارها سياسيا وآخرين يريدون التنصل منها حتى لا يتحملوا تبعاتها السياسية. ولكنه باعتبار موسم المزايدة على دعم غزة، فلم لا المشاركة؟! هكذا كان حال المشهد الخاص بالسفينة الداعمة لغزة، ولكن اللبنانيين نسوا غزة الأخرى الموجودة وسطهم وبينهم، والمعني هنا هو المخيمات الفلسطينية الممتلئة بمئات من الحالات المزرية.

حالات إنسانية يصعب وصفها تتجاهلها تماما كل المؤسسات الخيرية والجمعيات الروحية والقيادات الدينية، وكم كان هذا الأمر واضحا في تصريح زعيم الطائفة المارونية اللبنانية نصر الله صفير عندما سئل عن حال الفلسطينيين في لبنان ولماذا لا يتم مساعدتهم في تحسين أوضاعهم بالمخيمات السيئة، فأجاب: البلد صغير على أهله أصلا! أي كلام هذا؟!

لبنان بلد العجائب بامتياز! ولم تقتصر الشكاوى على سوء التعامل اللبناني مع العمالة فيه، فالإثيوبيون كان لهم نصيب من الشكوى وكذلك الأفارقة والسريلانكيون والمصريون والسوريون.. بطبيعة الحال ليس اللبنانيون وحدهم الذين يبتدعون في سوء معاملة الآخرين وازدرائهم.. هذه آفة موجودة وبقوة في مجتمعات شرق أوسطية مختلفة تعبر عن وجود خلل بيّن في الأنظمة والحقوق والقوانين بحاجة إلى تفعيل وإرساء مقومات تطبيق جاد لها. ولكن الحالة اللبنانية تبقى مثيرة للاهتمام نظرا لهشاشة المجتمع اللبناني نفسه وعدم قابليته للمزيد من الجراح والآلام. لا أعرف حقيقة مصير القطاع الخدمي والسياحي (الذي يتغنى به اللبنانيون اليوم) إذا ما خرج منه عمال العالم الثالث الذين يعملون في المكاتب الخلفية والمطابخ والورش ومحطات البنزين والمخازن والمرائب وغيرها من المهن التي لم يعد يقبل بها اللبناني نفسه. حتما سيصاب القطاع بالتدهور وقد يطاله الشلل والدمار.

أزمة العمال السودانيين وسوء التعاطي بحقها من قبل الحكومة اللبنانية مسألة غير مقبولة بحق دولة تتغنى بالحريات والحقوق، يا ترى لو كان العمال المتظاهرون من فرنسا أو كندا أو إيطاليا، هل كانوا سيلقون المعاملة نفسها؟! نصيحة للإخوة السودانيين: غيروا جنسيتكم في لبنان إلى الجنسية الأوكرانية وسترون الفرق!

[email protected]