خرق سيادة الحدود وصمت بغداد!

TT

زحفت القوات التركية على المثلث الحدودي واجتاحت بعمق أربعة كيلومترات من الجزء الشمالي من إقليم كردستان العراق، وهناك ما يقارب 60% من إجمالي القوات العسكرية التركية متربصة بجحافلها الهجومية في منطقة شمزينان، الجزء الشمالي الممتد مع الحدود الإيرانية.

تأتي هذه الحشود العسكرية لأنقرة في وقت والأزمة السياسية لتشكيل حكومة بغداد ما زالت قائمة، وحكومة تصريف الأعمال برئاسة المالكي لا تكاد تجرؤ ولو حتى بتعليق سياسي على ما يجري من اجتياحات عسكرية وقصف طائرات حربية من صنع أميركا ومدافع متوسطة وبعيدة المدى من قبل إيران وقتلهم العديد من المدنيين العزّل من أبناء العراق في كردستانه شمالا وتشريد مئات العوائل منهم.

هذا المثلث الحدودي الذي أباحته وأفرطت فيه بغداد في معاهدة مع تركيا إبان تشكيل دولة العراق في العشرينات من القرن المنصرم، هو بمثابة منطقة ملتهبة تأكل نيرانها الأخضر قبل اليابس وبغداد باتت أكثر من ثمانين سنة تشاهد نزف مواطنيها شمالا بيد النيران التركية ولا تكاد تتحرك لوقف هذا النزيف أو حتى تناصر المنظمات الدولية كالأمم المتحدة التي تشكل بين حين وآخر وفودا لزيارات وتفقدات ميدانية للمتشردين ومساعدتهم!

أصبح العراق عاجزا عن صون كرامة مواطنيه، بل بات الكثير من شرائطه الحدودية متروكا أمام زواحف الجوار. إنها كارثة، وخاصة عندما تتعامل العاصمتان على فتح منافذهما التجارية والاستثمارية لبعضهما بعضا وعقدهما صفقات تجارية استراتيجية وحدودهما تلتهب نارا من التوغلات العسكرية!

تركيا صارت تستفيد وبأدق التفاصيل والأداء من كل الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة والموقعة بينها وبين بغداد، ولا تأبه أن تتوغل عشرات الكيلومترات داخل أراضي العراق كي تُنقذ جيشها من الخمود وتلاحق خصومها وراء الحدود، تاركةً وراءها الحلول السياسية والثقافية في كردستانها، معتقدةً بأن الحل السياسي جنح فوق جبال القنديل، والحل يكمن في فوهة بندقية عسكر الجنرالات المستحوذين على السيادة السياسية والمدنية في أنقرة.

حكومة العدالة والتنمية تفتح من جانب طاولات تفاوضية عريضة وبأوراق سياسية خادعة أمام دبلوماسيي السوق الأوروبية وتعدهم بإجراء تعديلات دستورية لمنح الكرد حقوقا ثقافية وقومية، ومن جانب آخر يزور رئيس وزرائها القوات المهاجمة ميدانيا للتشجيع وتحريضهم على سحق من يطالبون بتلك الحقوق القومية من قنديل اعتقادا منهم بأن قضية أمة تطالب بالمواطنة المتساوية مع الترك تقمع بقمع أعداد من مقاتليهم خارج الحدود! أما من داخل أربيل، فحكومة الإقليم لا ترى من يناصرها في مواجهة هذه المعضلة الحدودية. ففي جانب لا تصل يدها إلى المقاتلين المناهضين لتركيا كي تجبرهم على الرحيل والعودة إلى داخل الحدود التركية، ومن جانب آخر لا تكاد تصمد أمام الضغوطات التركية والأميركية أحيانا لمواجهة هذه المشكلة، كون أنقرة والبيت الأبيض لا تبصران حلولا سياسية بل وحتى جلسات تفاوضية مع حزب العمال الكردستاني أو أي حزب سياسي كردي مرّخص داخل تركيا لمناقشة الحلول السياسية بلغة عصرية ودبلوماسية هادئة، بل يفترضون أن تقدم الخطوات العسكرية الضاغطة والمجبرة هي الأكثر نفعا للوصول إلى الصمت الكردي أمام حقوقهم القومية!

وعودة إلى موقفي أربيل وبغداد إزاء المجريات الحدودية، فلا يلاحظ أي تناسق بينهما، بل حتى المواقف أو البيانات الصادرة بهذا الخصوص لا تتناسب والشراكة الوطنية في عاصمة مركزية واحدة! فأربيل تظن أن وراء صمت بغداد تعهدات بل رضًا سياسياً لهذا التوغل. وتعتقد بغداد أن أمر حماية حدود الإقليم المشتركة مع دول الجوار من الجزء الشمالي والشمال الشرقي للعراق تقع في صميم واجبات قوات البيشمركة، في حين أنه حتى ملف قوات الإقليم لم يجد له الحل النهائي. فبغداد عندما تواجه انتقادات داخلية بما يجري على الحدود تُحمِّل أربيل مسؤولية الدفاع، وعندما تهون المصادمات المسلحة على الحدود لا تعترف بقانونية قوات البيشمركة، نعم هذا هو العراق!

* كاتب سياسي من كردستان العراق