فوز وخسارة

TT

هكذا هي الدنيا: «فوز وخسارة» ويقال أحيانا: «ربح وخسارة». استذكرت هذا القول مع بدء خروج الفرق الكروية العالمية من كأس العالم. على الرغم من مشاغل الحياة، وعلى الرغم من الانهماك في التدريس بجامعة الكويت بمقررات صيفية، فإنني أستقطع بعض الوقت لمتابعة مباريات كأس العالم لكرة القدم المقامة حاليا في جنوب أفريقيا، لحبي الشديد لهذه اللعبة، رغم أني لم أكن موهوبا بلعبها في سني الصبا وسنوات الشباب المبكرة، ولم تتعد علاقتي بها اللعب بفرق الحارات والشوارع عندما كنت صغيرا. لكني أتابع اللعبة، وأتحدث عن نتائجها العالمية مع الطلبة - وبالذات الذكور منهم، وأجد حضورا ذهنيا حين الحديث عن الكرة، أكثر من ذاك الذي يولونه للمحاضرة.

للفوز طعم لا يعرفه سوى الفائزون، والفوز في هذه الحياة الدنيا لا ينحصر بالفوز الكروي وحسب، لكن للفوز أشكال متعددة. ولكلمة الفوز مرادفات متعددة، فيقال: النجاح والكسب والربح والنصر. وللخسارة مترادف: الهزيمة. ويرتبط الفوز حديثا بالرياضة، بينما يرتبط الكسب والربح بالتجارة، ويأتي النصر مناقضا لمعنى الهزيمة حيث ترتبط الكلمتان غالبا بالمعارك والحروب.

وللمعلقين الرياضيين هذه الأيام عبارات «شيقة»، فمفهومهم للفوز والنصر لا يختلف كثيرا عن مفهوم ساستنا. معلقون عرب اعتبروا أن مجرد تعادل منتخب الجزائر العربي مع منتخب إنجلترا يعد فوزا! لا بد أنهم كانوا يستذكرون وعد بلفور بإعطاء وطن قومي لليهود بفلسطين لحظة تعليقهم! بل إن بعض المعلقين العرب رأى بأن هزيمة الجزائر أمام منتخب أميركا كانت هزيمة «بطعم الفوز»! طبعا خرج المنتخب الجزائري من الدور الأول للبطولة، لا أكثر ولا أقل: هكذا هي الرياضة، جزء من هذه الدنيا، فوز وخسارة، وخرج من الدور الأول كذلك منتخب فرنسا - بطل العالم عام 1998 - والحائز على المرتبة الثانية بالبطولة السابقة للعالم عام 2006م.

ولا يزال كثير من محللينا السياسيين - وما أكثرهم هذه الأيام على الفضائيات «الفاضية» - يعتقدون بأننا انتصرنا وفزنا في حرب لبنان التي خاضها حزب الله مع إسرائيل عام 2006، رغم أن نتيجة الحرب كانت خسارة لبنان، وعدم تأهل إسرائيل.

المعلقون الرياضيون العرب - أو على الأقل معظمهم - لا يفرقون بين أن يعلقوا على مباراة رياضية وبين حرب مع «الصهيونية والإمبريالية»! العبارات المستخدمة تذكر المتابع بخطب حماسية للإذاعات العربية التي قلبت حقائق خسائرنا وهزائمنا العسكرية إلى فوز وانتصارات وهمية.

الفوز كلمة رائعة لها معان جميلة ووردت في القرآن الكريم «ذلك هو الفوز العظيم»، ومن مشتقاتها كلمة «مفاز» إذ وردت في قوله تعالى: «إن للمتقين مفازا». وينتشر اسما فواز وفايز كاسمي علم مذكر وبالذات في الشرق العربي، كما بدأ البعض حديثا - وخاصة في الخليج - يسمي البنات «فوز» و«مفاز». ولكن قليلة هي الأسماء العلم التي اشتقت من ربح، حيث ينتشر اسم رابح في المغرب العربي، نستذكر هنا مدرب الجزائر الكابتن رابح سعدان.

ولا تخلو الرياضة من المؤامرة، كتب أحدهم في أحد المنتديات الإلكترونية: خروج فرنسا من التصفيات المبكرة انتقام رباني من فرنسا لمنعها النقاب. لم يتطرق الكاتب لعدم تأهل إيران أصلا. وسمعت آخر يقول: خسرت فرنسا لعنصرية مدربها الذي يكره العرب والمسلمين، فاستبعد بن زيما وكل اللاعبين المسلمين!

الجماهير الرياضية والصحافة الفرنسية «تلعلع» هذه الأيام وتلطم وتنوح على خروج منتخبها - الديوك - من التصفيات الأولى لكأس العالم. ألقى البعض باللائمة على المدرب، وبعض على اللاعبين، ورئيس الجمهورية نيكولا ساركوزي يخطط للقاء بعض اللاعبين لمعرفة أسباب هزائم المنتخب.

هل سمعتم بأحد سمى ابنته أو ابنه «خسارة» أو «هزيمة»، قديما قيل: للنصر ألف أب، والهزيمة يتيمة.