من صحف الفكاهة الرائدة

TT

الجرائد مثل الكتاب، منها ما يخلد ومنها ما ينسى. نتذكر «الكشكول» و«البعكوكة» و«روز اليوسف» و«حبزبوز»، لكن قلما نتذكر تلك الصحيفة الرائدة «البرق» التي لمعت وخبت كالبرق في أوائل القرن الماضي. وقد صدرت في لبنان، لكنها جمعت حولها شلة من أبطال الفكاهة والسخرية من شتى البلدان العربية، عبد الله البستاني وإسكندر العازار ويوسف نخلة ثابت ومعروف الرصافي ومصطفى الغلاييني وجميل صدقي الزهاوي وسواهم. ومن بين مريديها نشأت «عصبة الزعران» التي كرست نشاطها لأدب الفكاهة والظرافة والسخرية، وكان الشاعر والأديب أسعد رستم الرأس الموجه لها قبل هجرته إلى العالم الجديد.

يروي عبد الله لحود في كتابه «أحاديث النكتة في لبنان» أن أسعد رستم كلف بنظم أربع قصائد مطربة مرقصة تنشر متابعة في أعداد صحيفة «البرق»، وأن يقدم لكل فرد من أعضاء الحلقة نسخة من ديوانه المرتقب عن زعران الأدب في بيروت وأختها حلب. وعندما تبلغ أسعد رستم بالحكم الغيابي اعترض عليه بقصيدة طويلة يصف فيها حكم العصبة بهذه الكلمات:

«أصدرته جماعة من ذوي الذوق

لكن في الجور والانتقام

عصبة قد تألفت من صحافي

ومن شاعر وتاجر خام»

صاحبت جريدة «البرق» مجلة فكاهية أخرى صدرت قبلها عام 1905 باسم مجلة «سركيس» وكانت على اسم صاحبها سليم سركيس. لعبت كـ «البرق» دورا مهما في شد الروابط الأدبية والفكرية بين الظرفاء العرب، وعززتها بسلسلة من المباريات الأدبية والشعرية التي ساهم فيها أسعد رستم أيضا في أكثر من مناسبة.

ومن هذه المباريات المأثورة لمجلة «سركيس» عقد معارضة شعرية للبيتين الشهيرين من قصيدة عنترة العبسي:

«ولقد ذكرتك والرماح نواهل

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم».

وكان من المساهمات الفكاهية في المسابقة واحدة من أسعد رستم ذاته جاء فيها بيته المعروف:

«ولقد ذكرتك والحمار معاندي

فوق الشريط، وقد أتى الوابور»..

لم تنل هذه القفشة أي جائزة، فذهبت إلى رشيد نخلة لهذين البيتين:

«ولقد ذكرتك عند آخر قطرة

مني لكوني والحمام مهددي

فبكى الجميع وكنت أبسم بينهم

أملا بأنك عند نعشي في غدي»