واقعية تحقيق الديمقراطية في إيران

TT

حمل مقال فريد زكريا الذي نشرته صحيفة «الشرق الأوسط» في الحادي والعشرين من يونيو (حزيران) بعنوان «خيال الثورة الإيرانية»، كثيرا من المغالطات، وأظهر فيه زكريا - مرة أخرى - أنه يعبر ببراعة عن منطق قادة البيت الأبيض والمادية الجديدة الناعمة، غير المكترثة إلى حد بعيد بجعل الديمقراطية وحقوق الإنسان أهدافا رئيسية لسياستنا الخارجية، والتي تهيمن في الوقت الراهن على التفكير التقدمي بشأن الدور الأميركي في العالم.

وعبر زكريا عن الانزعاج من أن يؤدي القلق بنا على المقاومة في إيران إلى اندلاع حرب. وقال إنه لم يجد دليلا يعزز هذا القلق في مقال «نحن والثورة الإيرانية» والذي كتبه السيناتور جون ماكين (السيناتور الجمهوري عن ولاية أريزونا) والذي نشر على موقع (ذا نيو ريبابليك) هذا الشهر. وقال زكريا لو أن ماكين تولى الرئاسة «لأقدم على محاولة الإطاحة بالنظام الحاكم في إيران انطلاقا من رغبته في إطلاق القوى الأخلاقية الأميركية الكاملة ضد النظام. وهذا أمر مشين، فمقال ماكين دعا الولايات المتحدة إلى دعم الشعب الإيراني في تغيير شكل حكومتهم بصورة سلمية، وسياسية وفق شروطهم ووسائلهم الخاصة. فهل هذه بدعة ليبرالية؟ طالب ماكين بعقوبات مستهدفة، وعقوبات أشد صرامة ضد منتهكي حقوق الإنسان في إيران. هل استخدام الشدة ضد هؤلاء الأنذال كثيرة على السؤال وتفتقر إلى التعاطف والمشاركة؟ ومن هو هذا الذي يخطط بحق لعملية الحرية الإيرانية؟ إنه الفشل الواضح لخيال زكريا الذي جعله يربط القوة الأخلاقية بالعسكرية ونشر الديمقراطية بالصدمة والترهيب. لكنه مع ذلك ليبرالي تبدو أفكاره العالمية مرتبطة إلى ما لا نهاية بجورج دبليو بوش.

المزحة في مقال زكريا، وهي ليست مضحكة على الإطلاق، أنه يعتقد أنه داعم نموذجي للحركة الخضراء في إيران. وأشار إلى أنه كان عضوا في لجنة منحت جائزة لأكبر غانجي، المعارض الإيراني، وهو أمر طيب يحسب له ولغانجي، ولكن تدبر في هذه العبارة، التي تمثل اعتذارا منه «ربما يكون أحمدي نجاد قد خسر انتخابات 2009 الرئاسية، لكنه كان سباقا متقاربا، فاز فيه نجاد بملايين الأصوات». بطبيعة الحال فإن أحمدي نجاد يحظى بدعم ولعل ذلك السبب في أن يكون النضال ضد حكمه نضالا. لكن سيكون خطأ فادحا الزعم، كما قال زكريا، بأن النظام فقط هو الذي يحظى بالسلطة الدينية والقومية إلى جانبه. السباق بين المستبدين والديمقراطيين هو في الحقيقة سباق بين وجهين مختلفين للأمة الإيرانية. فقد انقسمت المؤسسة الدينية الإيرانية بشكل يصعب إصلاحه في أعقاب الرد الوحشي للنظام على انتفاضة العام الماضي، ولم يعد رجل الدين المقدس الذي صوره زكريا موجودا.

هذه ليست هي المرة الأولى التي يعمل فيها زكريا على تجميل وتحسين صورة النظام الإيراني، ففي مقال لا ينسى في مجلة «نيوزويك» والذي نشر قبل أسابيع قليلة من سرقة أحمدي نجاد للسلطة في يونيو (حزيران) 2009 واندلاع التمرد، أكد زكريا على أن ما تعرفونه عن إيران خطأ، وأنه هو من يعرف أكثر، فهو يعلم «أن النظام يرغب في أن يكون قوة نووية لكنه يسعى للحصول على برنامج مدني سلمي» وقد كان ذلك غاية في السخف، كما هو الحال في مقاله الذي نحن بصدده الآن أيضا، ويقول زكريا إنه يرى أن «إيران ليست دولة ديكتاتورية، لكن المظاهر خادعة، فإيران تهيمن عليها أقلية، تثور بينها نقاشات ومعارضة ضخمة».

حكم «خامنئي - نجاد» يقمع ويسجن ويعذب ويغتصب ويقتل مواطنيه، كما يشجع الحكم الديني والإرهاب في المنطقة وما وراءها. وكل هذا واضح لا لبس فيه. فلماذا يخشى زكريا من رد السياسة الخارجية الأميركية على حكومة كهذه تحمل كل هذا القدر من الوحشية والكراهية؟ ربما يعتقد زكريا أن سياسة الرئيس أوباما الخارجية القائمة على الاحترام وتسوية الخلافات ستحل الأزمة النووية وتجعل حاكم إيران يتحلى بآداب السلوك، لكن لا وجود لأسس تضمن تحقق مثل هذا الاعتقاد. إنه أمر أكثر خيالا من الخيال الذي صوره زكريا، بأنه لا خيال على الإطلاق. الواقعية الحقيقية تتكون من الاعتراف بأن السلام النووي والسلام الاجتماعي في إيران يمكن أن يتحقق فقط عبر تحقيق الديمقراطية، وأنه منذ 12 يونيو (حزيران) 2009 لم يكن قدوم الديمقراطية الإيرانية رغبة خاملة. رفض الرئيس أوباما منح الدعم الكامل للمقاومة الإيرانية ضد الاستبداد، ليس من الحكمة سواء من الناحية الأخلاقية والاستراتيجية، بل هو على العكس من ذلك. لكن عندما تأتي الديمقراطية إلى إيران سيؤكد لنا زكريا على أن هذا كان حلمه على الدوام.

* المحرر الأدبي لموقع «ذا نيو ريبابليك»

* خدمة «نيويورك تايمز»