مأزق الفن والفنان

TT

ولدت الموسيقى السعودية الحديثة من بين أوتار الفنان طارق عبد الحكيم، فقبله كان ما لدينا من موسيقى وأغنيات يعتمد في مجمله على القوالب التراثية، ولذا اعتبر طارق عبد الحكيم أول من أحدث نقلة بارزة وواضحة في حياتنا الفنية عبر تشكيل الفرق الموسيقية، وإبراز مجموعة من العازفين السعوديين، وهو أول من أخرج الأغنية السعودية من الإطار المحلي إلى محيطها العربي، لكن انتشارها، وتألقها، وهيمنتها تحققت ـ في الدرجة الأولى ـ بفضل إبداعات طلال مداح ومحمد عبده، إلى جانب كوكبة من الأصوات الهامة أمثال: عبدالله محمد، وفوزي محسون، وغأزي علي، وأبو بكر بلفقيه، وعبادي الجوهر، ومحمد عمر، وراشد الماجد، وعبدالمجيد عبد الله، ورابح صقر، وخالد عبد الرحمن، وغيرهم، وقد ارتكزت هذه الأصوات على كوكبة من الملحنين الموهوبين في مقدمتهم: سراج عمر، وعمر كدرس، وسامي إحسان، ومحمد شفيق، وكانت البيئة الاجتماعية ولادة ومبرزة للمواهب.

اليوم تحول الفن إلى صناعة ، وأصبحت علمية ظهور أصوات جديدة عملية معقدة للغاية، وتتطلب إمكانات مادية تنوء بها كواهل المواهب الشابة، عكس ما كان عليه الحال قبل بضعة عقود، حينما كان الفنان يحقق انتشاره من خلال الجلسات، والحفلات الخاصة، ومسارح الإذاعة والتلفزيون، أي أن أبواب الفن كانت لا تشترط غير الموهبة، أما اليوم فظهور فنان يتطلب الكثير من المواهب الأخرى غير موهبته الفنية.

نحن في حاجة اليوم إلى إعادة احتضان وزارة الثقافة والإعلام للمواهب الشابة عبر إيجاد مهرجانات نصف سنوية، يتم نقلها عبر الإذاعة والتلفزيون، فجل الفضائيات التي تدار بأموال سعودية، وتتكئ في استمرارها على دعم الإعلان السعودي تدير ظهرها اليوم للفنان السعودي، وسط انشغالها بجحافل فنانات وفنانين "الهشّك بشّك"، وأمام وزارة الإعلام والثقافة فرصة كبيرة لإنقاذ الفن السعودي، عبر دعم الفنانين، وتشجيعهم، واحتضان أعمالهم، بدلا من تركهم كالأيتام على موائد "الآخرين"، متمنيا ألا يوكل الأمر إلى جمعيات الثقافة والفنون، فهذه "ليتها بأحمالها تقوم".

وقد ينهي احتضان وزارة الإعلام للمواهب الشابة ظاهرة الأغنية "الشيك" التي تعتمد على دعم المؤلف في انتاجها، حتى أصبح جل كتاب أغنياتنا من أثرياء المال، وفقراء الموهبة، فالأغنية السعودية في حاجة إلى ولادة جديدة تتخلص فيها من بعض الشوائب التي علقت بها، ولعلها تنطلق في كلماتها نحو آفاق إنسانية اكثر اتساعا من هجر المحبوب، وسهد العاشق، فهل تحتضن وزارة الثقافة والإعلام هذه الولادة الجديدة؟